الثلاثاء - 07 يناير 2025
الثلاثاء - 07 يناير 2025

الخطاب الواقعي.. والخطاب «الواقع»

منذ إعلان التحالف الاستراتيجي بين الإمارات وإسرائيل عبر الحليف المشترك بينهما، الولايات المتحدة الأمريكية، والجدل في العالم العربي حول القصة يتدحرج ككرة ثلج تكبر وتكبر بتسارع الانحدار، وطبعاً كأي كرة ثلج، ستنتهي بارتطام عادي على الأرض فيتناثر الماء وما علق فيه.

لست ممن يقفون في صف ضد صف، بل أحاول فعلاً، ومن قراءات سياسيّة بحتة، أن أجد خطاباً معارضاً للاتفاق يخرج عن الإنشاءات والعنتريات البلاغية التي تصلح مواضيع مسابقات شعر وبلاغة، لا أكثر.

إن وجود خطاب أو مقال تحليلي معارض يلتزم الموضوعية، ويتحدث بمنطق سياسي في مبادئ العلاقات الدولية، هو مطلب ثمين وضروري في عالم تحكم علاقاته المصالح المتشابكة والمتقاطعة.


فلنتحدث بصراحة ما دمنا نتحدث عن علاقات دولية لا مسابقات بلاغة وإنشاء: هل المنظومات الإقليمية التي تنضم إليها الدول عادة، ما تزال صالحة في الشرق الأوسط لتحقيق ذات الأهداف التي تم تأسيسها عليها؟


نحن أمام شرق أوسط تغيَّرت فيه العلاقات الدولية والإقليمية إلى حدود جعلت تلك المنظومات القديمة ليست أكثر من هياكل خشبية خاوية، لا تصلح لأكثر من استعراضات السجاد الأحمر وحشوة أخبار بروتوكولية مملة.

هل نتحدث بصراحة أكثر؟ ما هي القيمة المضافة فعليّاً وواقعيّاً لاستمرار وجود الجامعة العربية؟ تضامن عربي مثلاً؟ هل سنستمر بالمزاح الثقيل بهذه الكذبة؟ لقد صارت اجتماعات الجامعة العربية مضرب سخرية حتى بين شعوب الدول الأعضاء! هل نكون جريئين أكثر ونتحدث عن بنية مجلس التعاون الخليجي؟ طيب، هي بنية أقوى بكثير من جامعة الدول العربية، لكن هل يمكن أن نقول بثقة أنها ما تزال تحمل نفس الروح الوحدوية بين الدول الأعضاء مثلما كانت في بدايات تأسيسها، وبعد ذلك حتى مرحلة «الخروج عن الصف الخليجي الواحد» وشق ذلك الصف؟ نحن أمام شرق أوسط جديد، جديد بكل معطياته وعلاقاته الجيوسياسية، وهو عالم علاقات أعقب حرباً دولية على الإرهاب، استمرت لتنتج وتفرخ تيارات إسلام سياسي استطاعت أن تسيطر على موارد دول، وبين إسلام سياسي يحاول ملالي طهران تصديره، وإسلام سياسي متطرف بربطة عنق تتغول فيه أنقرة.. فما هي خيارات دولة تحترم نفسها وسمعتها العالمية مثل الإمارات غير البحث عن خياراتها المصلحية وشبكة أمان لمصالحها الوطنية ضمن سيادتها المستقلة.

في المُحصِّلة، وبعد الإعلان الثلاثي، نقرأ في الأخبار أن أنقرة مثلاً، صارت تبحث عن خيارات الحوار مع مصر والرياض.

أليس ذلك علاقات دولية أكثر فاعلية من كل خُطب الإنشاء المدرسي فائقة البلاغة؟