يقترب اليورو من التساوي مع الدولار الأمريكي لأول مرة منذ 20 عاماً، وهذا يطرح سؤالاً انقسم حوله الاقتصاديون واستراتيجيو العملات، هل سيصبح اليورو مساوياً للدولار الأمريكي؟ لم يحدث تاريخياً أن انخفضت العملة الأوروبية- التي تشترك فيها 19 دولة من أعضاء الاتحاد الأوروبي البالغ عددهم 28 دولة- بأقل من سعر الصرف مع الدولار منذ إنشائها سنة 1999. توقع بنك ويلز فارجو أن يصل اليورو إلى سعر الدولار في غضون شهر، وقبل شهر تقريباً قال مُحللون من بنك إتش.إس.بي.سي -أحد أكبر البنوك- إنهم يتوقعون أن تكون قيمة اليورو الواحد مساويةً دولاراً واحداً بحلول نهاية هذا العام. أدى تراجع اليورو بنسبة 8% تقريباً في منتصف مايو هذا العام مقابل الدولار إلى بث الحياة في ذلك السؤال القديم وهل سيحدث ذلك لأول مرة في التاريخ في عامنا هذا؟ على عكس اليورو تعززت قوة الدولار الذي يعد من الملاذات الآمنة بسبب المخاوف بشأن الحرب الروسية الأوكرانية توالت المحن الاقتصادية على أوروبا، فلم تكد تخرج من إغلاقات الوباء حتى دخلت في مشكلة جيوسياسية على حدودها الشرقية أيقظت كوابيس الحرب العالمية، وأدخلتها في أزمة طاقة، أرسل ذلك اليورو هبوطاً وجعله يحوم حول سعر $1.05 الخميس الماضي، ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا خسر اليورو أكثر من 6% مقابل الدولار. وعلى عكس اليورو تعززت قوة الدولار الذي يعد من الملاذات الآمنة بسبب المخاوف بشأن الحرب الروسية الأوكرانية، ما زاد من تقارب قيمة العملتين كذلك التباعد في السياسات النقدية بين البنك المركزي الأوروبي ومجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، فالأخير زاد من معدلات الاقتراض القياسية مرتين حتى الآن، وعادة ما تدعم أسعار الفائدة المرتفعة الدولار من خلال جعل الأصول الأمريكية أكثر جاذبية للمستثمرين الباحثين عن عوائد، بينما البنك المركزي الأوروبي ما زال متأخراً في تشديد سياساته النقدية، كل هذه العوامل والأحداث تجعل اليورو والدولار يندفعان بشدة إلى نقطة التقاء. مع أن هذا الأمر محتمل، إلا أنه ليس كل الاقتصاديين الذين يراقبون السوق مقتنعين بحدوث هذا السيناريو. لا يزال يتعين على اليورو أن ينخفض إلى ما دون المستوى الفني - $ 1.034 وهو الذي وصل إليه اليورو سنة 2017، حتى نقترب من هذه الاحتمالية. اليورو لم يتغير هذا الأسبوع كثيراً حيث ثبت عند 1.04 يوم الثلاثاء بعد انخفاض استمر 3 أيام. يرى بعضهم أن فكرة وصول اليورو إلى تساوٍ مع الدولار غير منطقية لأن ذلك يعني أن اليورو كان مقوماً بأقل من قيمته الحقيقية، وكلما تعمقنا في تلك الفكرة وجدنا أن فرص تكافؤ العملتين أقل إقناعاً.
خالف الاقتصادي المصري الأمريكي محمد العريان، الأسبوع الماضي، الجميع عندما توقع أن تأتي نسبة التضخم لشهر مايو في الولايات المتحدة صادمة، وصدقت نبوءته مع إعلانها بعد أيام عند مستوى 8.6%، وهي الأعلى منذ أكثر من 40 عاماً، ليخيم التشاؤم على جميع أسواق المال في العالم، التي دخلت في مرحلة سقوط حر كساها اللون الأحمر.
وتكتسب توقعات العريان أهمية كونها خالفت المختصين منذ أكثر من عام أيضاً، إذ إنه توقع حينها أن التضخم ليس حالة عابرة كما روج الجميع، وأنه سيشكل تحدياً اقتصادياً أعمق مما نتصور، وصدق في نبوءته مجدداً، وإن رمى البعض إلى أنه لم يمكن لأحد أن يأخذ في الاعتبار حينئذ الحرب الأوكرانية التي حفزت تدهور الاقتصاد العالمي.
قد يتساءل البعض، لماذا نهتم بما يحدث في الولايات المتحدة؟ الإجابة ببساطة لأنها تقود اقتصاد العالم حتى إشعار آخر، ولذا فكما يقال «إن عطست أمريكا.. أصيب العالم بنزلة برد»، إضافة إلى أن كل عملات دول الخليج (ودول أخرى كثيرة في العالم) مرتبطة بالدولار الأمريكي، فأي إجراء يتعلق بالسياسة النقدية هناك ستكون له انعكاساته على الجميع.
وبالرغم من توقع زيادة نسبة التضخم في قادم الأيام قبل أن تخفت شعلته، واضطرار المصارف المركزية لرفع نسبة الفائدة بأكثر مما كان مخطط له لكبح جماحه، ودخول الاقتصاد الأمريكي ومعه الأوروبي في تباطؤ - أو حتى كساد - جراء تلك الإجراءات، فإن التأثيرات على اقتصاداتنا لن تكون مماثلة، فمع كل الترابط هناك اختلافات عديدة.التدفقات النقدية التي توفرها الموارد الطبيعة للخزائن العامة الخليجية قياسية، وذلك بفضل أسعار النفط والغاز العالمية الحالية
فالتدفقات النقدية التي توفرها الموارد الطبيعة للخزائن العامة الخليجية قياسية، وذلك بفضل أسعار النفط والغاز العالمية الحالية، التي تنبئ جميع المؤشرات باستمرارها عند مستويات عالية في المستقبل المنظور، نعم هناك تباين وقد يكون أكبر المستفيدين السعودية والإمارات والكويت وقطر، ووتيرة العجلة التنموية لم تهدأ، بل هناك توسع في المصروفات الرأسمالية العامة.
ولذا ففي خضم التقلبات الاقتصادية العالمية يغمرني التفاؤل، وإن كان بحذر، نعم سيتوجب علينا مراجعة نسب النمو لكننا سننمو حين ينكمش الآخرون، وهي فرصة عظيمة لإعادة التركيز على الأساسيات والتخلص من الزوائد واقتناص فرص عالمية لن تسنح مجدداً في أي وقت قريب، وهي فرصة لتعزيز روابطنا مع اقتصادات ناشئة كأفريقيا التي تكتنز الكثير من إمكانات النمو.