بعد أن تراجع الروبل الروسي بشدة عند بداية الحرب الروسية على أوكرانيا وفرض العقوبات الغربية على روسيا، عاد ليعوض كل خسائره، لا بل وأصبحت قيمته أعلى 30% من مستوياته ما قبل الحرب. تمكن البنك المركزي الروسي من التعامل مع الأزمة بنجاح حيث قام فوراً برفع مستوى الفائدة إلى 20%، وأقر مجموعة من الإجراءات التي تحد من خروج العملات الأجنبية. لكن العامل الأهم في المعادلة كان الارتفاعات القياسية لأسعار النفط والغاز وزيادة حجم صادرات الطاقة الروسية ما وفر سيولة كبيرة للتدخل في السوق وضبط سعر العملة.
وعلى الرغم من حظر الولايات المتحدة استيراد النفط الروسي، إضافة إلى المقاطعة التدريجية من الاتحاد الأوروبي للنفط الروسي (مع عدم مقاطعة الغاز)، تمكنت روسيا من إيجاد مشترين آخرين، وفي النهاية ارتفعت إيرادات روسيا من بيع الطاقة بأكثر من 60% مقارنة مع بداية العام الماضي وتضاعف صافي الميزان التجاري ما يقارب 4 مرات.
كل ذلك أدى فعلياً إلى عدم تحقيق أهداف الدول الغربية بانهيار الاقتصاد الروسي من خلال العقوبات المتتالية، وسمح أيضاً بإدارة مالية مريحة للحرب ومستلزماتها. لكن النظرة المستقبلية للاقتصاد الروسي ما زالت غير إيجابية.أدى الخروج الجماعي للشركات الغربية من روسيا إلى خسارة حجم كبير من النشاط الاقتصادي وفقدان آلاف الوظائف حتى الآن.
تشير التوقعات إلى حصول انكماش في الاقتصاد الروسي مع نهاية هذا العام وتراوح التقديرات لهذا الانكماش بين 7% و15%. فقد أدى الخروج الجماعي للشركات الغربية من روسيا إلى خسارة حجم كبير من النشاط الاقتصادي وفقدان آلاف الوظائف حتى الآن. وفي الغالب سوف يتفاقم الوضع في الأشهر القادمة بسبب اعتماد مبيعات الكثير من الشركات الروسية على أعمال الشركات الأجنبية التي غادرت. أما العقوبات، فقد تكفلت بوقف الكثير من الواردات إلى روسيا فتراجع الاستهلاك بشكل كبير لعدم توفر السلع المستوردة وعدم وجود بدائل محلية كافية. وبالاستفادة من ارتفاع إيرادات الطاقة، قامت الحكومة برفع الحد الأدنى للأجور وتعويض المتقاعدين في سبيل تخفيف آثار التضخم الذي بلغ 17%.
من جهته، يقوم الرئيس بوتين باستمرار بطمأنة من يلتقيهم في الاجتماعات العامة بأن الوضع تحت السيطرة وأن روسيا لن تتأثر بالعقوبات. فيما يبدو فإن الخطط الاقتصادية في روسيا كانت مبنية بهدف الصمود ومنع الانهيار السريع بسبب العقوبات والاستفادة من ارتفاع أسعار النفط والغاز، وكما ذكرنا فقد نجحت تلك الخطط. لكن هذا التوجه لن يكون كافياً للتعامل مع المستجدات لفترة طويلة وقد يدخل الاقتصاد الروسي عندها في مرحلة الموت البطيء.