كلما تطرق الحديث للصناديق الاستثمارية السيادية في أي من المراكز المالية العالمية برز اسم أبوظبي، ولا غرابة في ذلك كونها تملك أحد أقدم تلك الصناديق وأغزرها خبرة، حيث تأسس جهاز أبوظبي للاستثمار (آديا) قبل نشأة اتحاد الإمارات.. تحديداً في 1967، ونما عبر السنين ليتمركز خلال العقدين الماضيين في قائمة أكبر ثلاثة عالمياً. وإن أرادت أبوظبي الظفر بالمركز الأول لكان لها مبتغاها بكل يسر، إذ إنها أنشأت خلال رحلتها التنموية صناديق استثمارية أخرى لغايات ومراحل مختلفة، منها صندوق أبوظبي للاستثمار وإيبيك اللذين تم ضمهما لاحقاً في كيانات أخرى، إلا أنها تملك اليوم صندوقي مبادلة وأبوظبي القابضة (أيه دي كيو) اللذين إن دُمِجا فهما سيقاربان آديا حجماً، فكيف إن تم إلحاقهما بآديا؟ أو إلحاق أدنوك أو أي من أصولها الكثيرة غير المشهرة؟
في المقابل أسس ماسايوشي سون مجموعة سوفت بنك اليابانية وحقق نجاحات مذهلة، كان على رأسها شراؤه لحصة في علي بابا الصينية في عام 2000 بقيمة 20 مليون دولار، لتبلغ قيمة تلك الحصة في 2018، ما يقرب من 130 مليار دولار، ومهدت خبرته الاستثمارية الفريدة الطريق لإطلاقه صندوق الرؤية بالتعاون مع الصندوق السيادي السعودي الذي ضخ فيه 45 مليار دولار، لتستثمر فيه مبادلة أيضاً 15 مليار دولار. أحد استثمارات صندوق الرؤية كانت في «وي وورك»، وهي شركة مساحات مكتبية مشتركة أنشأها الحالم آدم نيومان في 2010، وتوسعت الشركة بشكل جنوني أَسَرَ عقول المستثمرين، وأعتى بنوك وول ستريت، لتبلغ قيمتها في 2019 ما يقرب من 47 مليار دولار، ويقرر ماسايوشي رفع حصة صندوق الرؤية في الشركة، لكن مبادلة لم تقر القرار بعد أن راجعت استراتيجية الشركة وبياناتها المالية وأوقفت تنفيذه.هنا تبرز حنكة أبوظبي الاستثمارية التي اكتسبتها عبر عقود من الممارسة.. فحدسها الاستثماري انتقل من المحلية والإقليمية ليقارع «عتاوية» مراكز المال والأعمال في العالم
انسحاب سوفت بنك أجبر «وي وورك» لنشر بياناتها المالية المبدئية تمهيداً لطرحها العام، ونتج عن ذلك كشف الكذبة الكبيرة التي اختلقها نيومان، ما نتج عنه إجباره على الاستقالة ثم الخروج كلياً من الشركة، لم يغفر وول ستريت للشركة التي أدرجت في البورصة لاحقاً لكن على تقييم 9 مليارات دولار، وليس 47 ملياراً كما ادعى نيومان! لو لم تتحفظ مبادلة لكانت خسارتها وصندوق الاستثمارات السعودي وسوفت بنك فادحة، هي لم تُبدِ المسببات علانية في ذلك الحين لكن حيلة «وي وورك» تكشفت لاحقاً للملأ، وهنا تبرز حنكة أبوظبي الاستثمارية التي اكتسبتها عبر عقود من الممارسة، فحدسها الاستثماري انتقل من المحلية والإقليمية ليقارع «عتاوية» مراكز المال والأعمال في العالم، ونهجها تخطى أن يكون احترافياً فقط.. بل هو فن أيضاً. هي حكاية واحدة.. والأمثلة كثر.