أعادت الأزمة الأوكرانية الحديث مجدداً عن العلاقات الأمريكية – الخليجية، وعن مدى التعاون والتنسيق بين الطرفين وصلابة التحالف بينهما، هذا التحالف الذي بدأ قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية بلقاء الرئيس فرانكلين روزفلت والملك عبدالعزيز بن سعود على متن الطراد الأمريكي «يو أس أس كوينسي»، حيث اتفق الطرفان على وضع أسس جديدة للعلاقة بينهما في ضوء انحسار النفوذ البريطاني من المنطقة، مستندين على ركيزتين أساسيتين في هذا التحالف الجديد.
«النفط مقابل الأمن».. بحيث تتكفل الولايات المتحدة بضمان حماية المنطقة مقابل استمرار التدفقات النفطية والتعاون في ضبط الأسعار، ومع بعض الأحداث التي كدرت صفو هذا التحالف خلال فترات الصراع العربي الإسرائيلي وحظر البترول في 1973، إلا أنه بقي متيناً وراسخاً على مبادئه.
تجلى ذلك بوضوح أثناء الغزو السوفيتي لأفغانستان والحرب العراقية - الإيرانية وأزمة احتلال الكويت، حيث نجح هذا التحالف وبالرغم من حجم التهديدات والمخاطر في الحفاظ على استقرار السوق النفطية وضمان أمن الكيانات الخليجية، والذي تطور لاحقاً بوجود دائم للقطع البحرية الأمريكية في مياه الخليج.
فُوجئت الولايات المتحدة بمزاج خليجي غير معهود، لا يعاتب على اللبن المسكوب، لكن يتجه وفقاً لأولوياته!
كل ذلك لم يمنع دول الخليج من التوازن في سياستها الخارجية، وإقامة علاقة متميزة مع الصين وروسيا والهند ودول الاتحاد الأوربي، والسعي لعقد تفاهمات إقليمية تعمل على خفض التوتر وتحافظ على الحد الأدنى من السلم والاستقرار.
حقيقةً الموقع والجغرافيا تُحتمان على دول الخليج التعايش مع جيرانها والمضي قدماً في برامجها التنموية. ومع وصول الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما إلى البيت الأبيض، واندلاع أحداث ما سُمي بالربيع العربي في 2011، بدأ شرخ عميق يشق طريقه في جدار التحالف الأمريكي - الخليجي.
اتجهت أولويات السياسة الخارجية الأمريكية نحو استرضاء إيران وغض الطرف عن أطماعها التوسعية، وإبرام الاتفاق النووي معها من دون التنسيق مع دول الخليج ومراعاة مصالحها، ودعم من تحت الغطاء لحركات الإسلام السياسي، كالإخوان المسلمين، لبلوغ الحكم في الدول التي اجتاحتها فوضى الربيع العربي، هذا دفع دول الخليج لمراجعة شاملة لحقيقة الموقف الأمريكي ومصداقيته، وتدارس خياراتها المستقبلية للمحافظة على أمنها في وجه التهديدات المحدقة، وتعزيز قدراتها الذاتية للردع والتصدي للمشاريع المشبوهة في المنطقة.
ومع اندلاع الأزمة الأوكرانية واشتعال أسعار النفط، سعت واشنطن لطلب المساعدة من «حلفائها» الخليجيين، متناسية أخطاءها القاتلة في التعامل مع قضايا المنطقة وتراخيها في أداء دورها الأمني، لكنها فُوجئت بمزاج خليجي مختلف غير معهود لديها. مزاج لا يعاتب على اللبن المسكوب، لكن يتجه وفقا لمصالحه وأولوياته الأمنية. فهل استوعبت واشنطن الرسالة؟