الاحد - 24 نوفمبر 2024
الاحد - 24 نوفمبر 2024

الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.. بعد 100 عام!

شهدت الولايات المتحدة الأمريكية بين عامي 1836 و1913 فترة ذهبية من الازدهار الاقتصادي لم يسبق لها مثيل، فعبر 80 عاماً تقريباً عاش الشعب الأمريكي حياة رغيدة من النمو والعملة القوية وانتشار الابتكارات وانعدام التضخم، وتدني مستويات البطالة، إلا أن اللافت للنظر خلال تلك المدة الزمنية لم يكن في البلاد مصرف مركزي.

للأمريكان تاريخ طويل من معاداة المصارف المركزية. بعد إنشاء أول مصرف مركزي في العام 1791، دخلت البلاد في مرحلة طويلة من السجال السياسي والمعارضة لوجود هذا المصرف، حتى أوقف الرئيس أندرو جاكسون عام 1836 العمل بالمصرف المركزي وسحب ودائع الخزانة الأمريكية منه ووزعها على البنوك الخاصة، ومنذ ذلك الحين والبلاد تمضي في رخاء تام حتى جاءت أحداث غيرت الواقع بأكمله.

بدأت هذه الأحداث بزلزال سان فرنسيسكو المدمر في 1907 وما أوقعه من خسائر في الاقتصاد الأمريكي، وبعد عام غمر الذعر أسواق المال وأحدث أزمة سيولة خانقة بعد تورط عدة بنوك في مدينة نيويورك في عملية تلاعب بأسهم إحدى شركات النحاس.

في 2008 جاء الذعر الكبير، وقام الاحتياطي الفيدرالي بدوره كاملاً في انقاذ المصارف المتعثرة تماما كما خُطط قبل 100 عام.

كان من الممكن أن تزداد وطأة الأزمة لولا تدخل رجل الأعمال جي بي مورغان الذي دفع بأمواله الخاصة وأقنع باقي المصرفيين أن يحذوا حذوه لدعم النظام المصرفي الأمريكي. نجحت عملية الإنقاذ تلك واستعادت الأسواق عافيتها ولو بعد خسائر فادحة، إلا أن ملاك البنوك أصبحوا أكثر إصراراً من ذي قبل على وجود مصرف مركزي يأتي لنجدتهم في حالة ذعر قادمة قد لا يكون السيد مورغان حينها على قيد الحياة.

تزعم السناتور نيلسون دبليو ألدريتش والمقرب من عائلات المال الحركة الداعمة لإحياء المصرف المركزي في البلاد، وفي 1910 دعا ألدريتش ممثلي البنوك في نيويورك لإعداد مسودة القانون المقترح تقديمه لمجلس الشيوخ، وتم الاجتماع بصورة عجيبة أقرب منها للأفلام السينمائية من الواقع، حيث توافد المجتمعون بصورة سرية وبأسماء مستعارة إلى محطة قطار منعزلة في مدينة هوبوكين، ولاية نيوجيرسي، واستقلوا عربة خاصة أخذتهم في رحلة ولمدة يومين إلى ولاية جورجيا، من هناك ركبوا البحر إلى أن وصلوا إلى جزيرة جيكل ولاية جورجيا، حيث استقر بهم المقام في إحدى المنتجعات المملوكة لجي بي مورغان، ولمدة أسبوع كامل عكف المجتمعون على مسودة قانون إنشاء المصرف المركزي، والذي عُرف بعد ذلك بالاحتياطي الفيدرالي حيث تم إقراره في 1913.

يشمل القانون إنشاء عدة احتياطات فيدرالية حسب الولايات يترأسها مجلس إدارة يُعين أعضائه بقرار من الرئيس الأمريكي وموافقة مجلس الشيوخ، إلا أن في الواقع يبقى الاحتياطي الفيدرالي لولاية نيويورك هو الأقوى والمسيطر بين الولايات الأخرى في وضع أشبه بدولة داخل الدولة.