إن سألنا: ما هي القطاعات التي يتكون منها الاقتصاد؟ ستنحصر أغلب الردود في القطاعين العام والخاص، فالأول هو المظلة الجامعة لمؤسسات الحكومة وما يرتبط بها من كيانات تجارية، والثاني يشمل كل شركة خاصة تنتهي ملكيتها لفرد أو مجموعة من الأفراد، ولن يتبادر لمعظمنا قطاع ثالث مهم لم ينل حقه من الاهتمام والذي يعتبر إحدى ركائزه، وهي التعاونيات.
اقتصادات دول الخليج ناشئة، لم تعرف المدنية بمفهومها الحديث سوى بعد اكتشاف النفط، حيث انصب تركيز الحكومات على تأسيس مؤسسات الدولة، مرسية من خلال ذلك هياكل حكومية صلبة نضجت عبر عقود من التجربة والتعلم والتطوير، ليحاكي بعضها اليوم الأفضل في العالم، ومن هنا تكون القطاع العام.
ومع رحلة بناء الحواضر المدنية ارتفعت وتيرة الأعمال، فنشأت العديد من الشركات التجارية والصناعية والخدمية، مستفيدة من الفرص الوليدة والإنفاق الحكومي الضخم، الذي سخر الثروات الجديدة للاستثمار في الناس وبناء الأوطان، ومن هنا وُلد القطاع الخاص الذي يشكل اليوم غالبية النشاط الاقتصادي في أية دولة خليجية.
حسنا فعلت الإمارات بريادتها السماح للتعاونيات بقيد وتداول أسهمها في منصات مستقلة في الأسواق المالية، هي بداية لطفرة تعاونية
لكن، القطاع الثالث اقتصرت نجاحاته على المؤسسات الأهلية وذات النفع العام، حيث اختزلت التعاونيات نشاطها رئيسياً في التموين الاستهلاكي، أو بتعريف آخر محال «الهايبرماركت»، ولم تصل لما حققته التعاونيات في الدول المتقدمة، أو تلك الناشئة في بقاع أخرى من العالم.
يكفي أن نعلم بأنه منذ إنشاء أول تعاونية بمفهومها الحديث في 1884، تنامى عددها في جميع أصقاع العالم ليتخطى اليوم أكثر من 3 ملايين تعاونية، تغطي أكثر من 12٪ من البشرية جمعاء في قطاعات شتى، وتوفر وظائف لأكثر من 280 مليون شخص.. ما يقارب 10٪ من البشرية العاملة، مبيعات أكبر 300 تعاونية فقط تخطت 2.15 ترليون دولار بنهاية 2020 بحسب وورلد كووبريتيف مونيتر.
القطاعات التي غطتها التعاونيات شملت السكن والرعاية الصحية والصيدلة، وكذلك النقل والمواصلات والخدمات المصرفية والتأمين وتوليد وتوزيع الطاقة، بل إنها تطرقت للتعليم والسفر والسياحة والاتصالات، بل حتى الإنتاج الزراعي والحيواني والصناعي والحرفي.
من هنا، ندرك أهمية مكون القطاع الثالث هذا، ونفهم لم توليه حكوماتنا أهمية قصوى مؤخراً، فالتعاونيات كيانات تعطي وزناً أكبر للجوانب الاجتماعية، هي ربحية من دون شك.. لكنها راشدة في تطلعاتها المالية، وحوكمتها أكثر عدلاً لصغار المساهمين، إذ تتساوى أصواتهم في أي اقتراع أو انتخاب، كل مساهم له صوت واحد بغض النظر عن عدد الأسهم التي يملك.
حسناً فعلت الإمارات بريادتها السماح للتعاونيات بقيد وتداول أسهمها في منصات مستقلة في الأسواق المالية، هي بداية لطفرة تعاونية.