يعتقد البعض من الناس أن الكتابة والتأليف نخبوية أو أن من يمارسها ويقوم بوظيفتها هم نخبة من المجتمع، ولا يعلم هؤلاء بأن الكتابة والتأليف مشاعة للجميع دون استثناء الصغير والكبير الغني والفقير، مشاعة دون شروط أو هالات أو مقدمات، فما دمت قادراً على الكتابة وتجيد القراءة فإن المجال مجالك. هكذا بكل بساطة.
وبطبيعة الحال فإن من يقتحم هذا المجال ويريد أن يقدم إنتاجاً أدبياً للناس فإن هذا يتطلب منه المهارة في عدة جوانب حياتية مهمة قبل خوض هذه الغمار لعل من أبرزها القراءة، فالذي يكتب يجب عليه المطالعة وهو ما يعني زيادة الحصيلة اللغوية وأيضاً المعرفة الثقافية ويكون ذا معارف متنوعة تساعده عند الكتابة، وبطبيعة الحال هناك عدة جوانب أخرى يجب الحرص عليها لكل من يريد التوجه نحو هذا المضمار.
غني عن القول إن هناك أسباباً متنوعة تجعل المؤلف أو الكاتب يقتحم هذا المضمار، وتجعله يمضى الوقت الكبير من عمره وهو يشكل الكلمات، ففضلاً عن الهم بنشر المعرفة والرغبة بتحقيق الذات لدى البعض، فإن هناك ثلة تجد في الكتابة مساحة لإيصال رسالتهم ومقاصدهم والهدف في العموم هو فائدة الناس. ولكن الأسباب كما ذكرنا متنوعة ومتعددة ولا مجال لحصرها هنا، وعلى الرغم من هذا فإنني أعتقد أننا اليوم أمام سبب جديد وحديث ومختلف تماماً عن أي أسباب كنا نسمعها فيما مضى على ألسنة المؤلفين عندما يسألون عن سبب توجهم للكتابة والتأليف، وهذا السبب الجديد جاء في خبر تناقلته وكالات الأنباء العالمية، ويقول: «ينصح علماء النفس بكتابة المخاوف والهواجس التي تنتابنا، انطلاقاً من أن الكتابة تسهم بنقل مخاوفنا من العقل إلى الورق، الأمر الذي من شأنه أن يساعد على تجسيد المشاعر والأحاسيس السلبية والعمل على مواجهتها والتغلب عليها. ويؤكد العلماء أن 20 دقيقة في اليوم كافية لاستعادة التوازن النفسي والثقة بالذات».
ولعل هذه الدراسة الحديثة ليست حديثة بالشكل الدقيقة فقد عرف بين عدة مجتمعات أن البعض من الناس يكررون الكلمات الإيجابية حتى يغمرهم التفاؤل، أو ما يسمى بالحديث الإيجابي الذاتي، وهو الذي يعني أن يقوم الشخص بتعويض النقص الذي يشعر به في مجال الإطراء والمديح ولكنه أيضاً ينمي قدراته الذاتية ويطور مهاراته، ولماذا نذهب بعيداً فقد عرف على نطاق واسع أن هناك منهجية علاجية تتمثل في الكتابة وإن لم يكن هناك اعتراف واسع بها، لكن مصطلح أو موضوع العلاج بالكتابة متواجد وإن بطريقة وأخرى، ونحن نعلم وقد يكون مر بنا أن عدداً من المؤلفين يصرح ويقول إنه يشعر بالراحة بالكتابة، بل إن البعض قال بعد أن نشر روايته بأنه لا يحب قراءتها أو العودة لأي تفصيل فيها لأنها تذكره بأمور لا يريد تذكرها، وهذا حقيقي فهو بطريقة أو أخرى أخرج بعض جوانبها من داخله ومن ذكرياته ومن عمق الألم الذي يشعر به، فمن الطبيعي ألّا يحب قراءتها. أعتقد دون شك بأن للكتابة وظيفة جوهرية غفلنا عنها مطولاً وهي مساعدتها لنا في تخفيف آلامنا ومعالجة تصدعات قد تحدث داخل أرواحنا، وفي العموم فإن الكتابة خير وسعادة...