الجمعة - 22 نوفمبر 2024
الجمعة - 22 نوفمبر 2024

الناس أعداء ما جهلوا!

رغم التقدم العلمي، وكل وسائل الاتصال الحديثة التي بين أيدينا، إلا أنك تصاب بدهشة وذهول من بعض الرواسب القديمة التي تطفح على سطح واقعنا المعاش بين وقت وآخر، تذهل من أين تأتي بعض الأفكار التي لا تنم عن أي معرفة أو حتى أدنى ثقافة؟ ثم تصاب بحالة من الذهول ذلك أن من يمارس هذا الجهل والتسطيح المعرفي هم في الحقيقة على مستوى علمي، بمعنى أنه أنهى المرحلة الجامعية بل وأمضى سنوات في مهام الوظيفة. لعل من خير الأمثلة والشواهد في هذا السياق هو النظرة الدونية المحملة بأفكار خاطئة تماماً عن علم النفس والعلاج النفسي لدى البعض في المجتمعات العربية برمتها، ورغم معرفتي أن هذا الموضوع أثير في أكثر من منتدى وموقع، إلا أنني أريد التوقف مع نماذج تحتل مواقع مهمة في السلم الاجتماعي بمعنى أنها فعاليات مؤثرة، فضلاً على حصولها على شهادات علمية عليا، ورغم كل هذا هي تعود لما درج عليه في مجتمعات ماضية كان حظها من التعليم قليل، وبالتالي كانت نظرتها لعلم النفس نظرة دونية تتهم كل من يتعاطى معه بأنه مجنون أو مصاب بمس أو في شخصيته خلل ونحوها من التهم. من القصص المؤلمة في هذا السياق أسرة متعلمة، ولديهم طفل يعاني من الرهاب الاجتماعي، وبسبب رفضهم عرض ابنهم على معالج نفسي ازدادت حالته سوءاً وزاد بالتالي انطواؤه وانعزاله، وبات هذا الطفل بين ناريين، مخاوفه النفسية الناتجة عن مرضه والتي تحتاج لعلاج متخصص وبين نار أسرته التي تلزمه وتجبره على مقابلة الناس وحضور المناسبات الاجتماعية، دون أن تقدم له أي رعاية أو نصيحة أو أدوية تساعده، ولن أتطرق معكم لما آلت إليه الأمور، فمع الأسف زادت حالته سوءاً وبات يهرب من المدرسة وعدوانياً وصعبت السيطرة عليه. قصة أخرى لصديقة تحكي عن شقيقتها التي لم تتوقف معاناتها إلا بعد علاج نفسي مكثف، تقول إنها كانت مصابة بمرضى نفسي يطلق عليه البارانويا، وهو ببساطة أوهام وتخيلات تتلبس المريض إذا صح التعبير وتسيطر على تفكيره ويعتقد أنها حقيقة مطلقة، وقد كانت شقيقتها تتهم الجميع من حولها بل الناس جميعاً أنهم سبب لأي مشكلة تقع فيها، وتعتبر نفسها ضحية ومظلومة، والغريب أنها في أحيان تكون في حالة مزاجية رائعة وسعيدة وطموحة ولديها مشاريع كثيرة واعدة تتحدث عنها بإسهاب حتى تصل لمرحلة الاعتقاد التام أنها إنسانة عظيمة ومتفوقة ومتميزة، لكنها سرعان ما تنتكس فتكون في حالة مزاجية سيئة فتشتم الجميع دون استثناء وتدعي أن الجميع يكرهها ويحاربونها. لم تنته حالة هذه المريضة إلا بعد أن تم عرضها على معالج نفسي وبعد أن تم وضع خطة علاج وعدة جلسات. مثل هذه الحالات النفسية وغيرها كثير تثبت لنا أن التعليم غير كافٍ إذا لم نكن على درجة من الوعي والثقافة والانفتاح على العلم، ولنتذكر مقولة «الناس أعداء ما جهلوا» أتمنى أن تكثف حملات توعية وإرشادية في المدارس والجامعات والمرافق الصحية والأسواق، تبث خلالها رسائل عن الطب والعلاج النفسي، نحن في زمن الأمراض النفسية، بامتياز، وأحسب أنها لا تقل عن الأمراض الجسدية.