السبت - 23 نوفمبر 2024
السبت - 23 نوفمبر 2024

خوف وجدار

ابتكر الإنسان الحياة المدنية منذ أن سوّر أول قطعة أرض وعزلها عن محيط العالم قبل قرون طويلة من عمر التاريخ، فكانت المدن الكبرى حول العالم القديم التي يشهد بعضها في ظل ما تبقى من أثر لتلك الأسوار على ذلك، وأعقب المدينة بسورها الكبير المنازل. لعلي هنا أود أن أتأمل فكرة الهشاشة، وكيف أنه كلما نبت سور تلاه جدار، تعمق الإنسان في التخلي عن حس المواجهة والحذر والتيقظ الدائم لما حوله محاولاً أن يَأمن مكمنه أو يتخذه عدواً محتملاً، استسلم للدعة والهشاشة وكلما ازدادت سماكة الجدران زادت تلك الهشاشة.

الهشاشة تطلبت مع الوقت الأقنعة، القلق الدائم، الحذر، والخوف، تحولت جميعاً من محرضات المواجهة في البيئة الآفلة لتكون أحد أسباب الهرب منها، لقد كان على الإنسان أن يغادر سوره في نهاية الأمر وهو ما دعاه لأن يحمل جداره النفسي معه، متجنباً الآخر، متجنباً أن يكون ذاته، وشيئاً فشيئاً مبادراً لإقصاء ومحاربة الآخر في ظل فقدان التواصل الحقيقي والحيوي من غير أن يكون أي منهم مكتفياً ببناء افتراضاته من خلف جداره أو من خلال أقنعته هو

والآخر الذي يواجهه بشكل غير كامل من خلف قناعه الخاص أيضاً. لقد تحولت كل أشكال الخوف من النفس والاختلاف إلى ناخرات في المكون الإنساني للفرد، إلى أشياء تضعف شيئاً فشيئاً القوة الجمعية للمواجهة في الذاكرة العامة لتستبدل بها الهشاشة الجمعية.


هل يكون الحل في عودتنا للحياة الطلقة غير المسورة، في الحقيقة هل هذا ممكن الآن؟ بعد الذي بناه الإنسان من خلالها على كل الصعد الفيزيائية والمعنوية؟ أظن أن الإجابة بنعم وسط هذا العالم المديني وفي مثل هذا الوقت ستكون ضرباً من العبث، لكن الفكرة هنا هي إدراك تلك الهشاشة ومحاولة تدريب حس المواجهة اليقظ ليدرك المعنويات الداخلية.. فلنواجه أنفسنا أولاً لندرك مخاوفنا الخاصة قبل العامة.