الاحد - 24 نوفمبر 2024
الاحد - 24 نوفمبر 2024

زايد وصُباح.. للغياب حضور

قليلون هم العظماء الذين نُقشت أسماؤهم على صفحات العقول، وخُلدت سيرتهم بين ثنايا الصدور، وسكنت ذكراهم نبض القلوب، ليظل غيابهم حضوراً آسراً يصاحب الشمس في شروقها نبراساً ونوراً تحكي قصة إنجازات خالدة، وبصمات استثنائية تنير دروب الأجيال على مر الأزمان.

16 عاماً فاصلة بين رحيل الشيخ زايد في نوفمبر 2004، والشيخ صُباح الأحمد في سبتمبر 2020، رحمهما الله، ورغم فواصل الأعوام إلا أن قواسم مشتركة لا تخطئها عين في سيرة ومسيرة رجلين بحجم أمة، من العطاء الإنساني إلى الحكمة الكونية، والقيادة الإلهامية، والتسامح والتعايش، تلك أربع علامات وضّاءة أنارت دربهما نحو ريادة وطنهما وسعادة شعبيهما.

تولى الشيخ صُباح إمارة الكويت في 2006، وكان الشيخ زايد قد صار إلى جوار ربه، إلا أن رحلتيهما التطويرية والتنموية تكشف أن النبع واحد، ومن ثم كانت النتائج متشابهة إلى حد كبير من حيث النهضة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعمرانية، وتمكين المرأة والشباب، وتشجيع البحث العلمي والمعرفة، والانفتاح على العالم.


فالشيخ زايد رجل بنى أمة برؤيته المتفردة، وقيادته الاستثنائية في إدارة الطموحات وصناعة التميز في شتى مجالات الدولة التي غدت أيقونة اللامستحيل، في حين صنع التمرس في العمل السياسي والحكومي منذ 1954 من الشيخ صُباح قائداً محنكاً، ودبلوماسياً فريداً استحق معه لقب شيخ الدبلوماسيين العرب والعالم.


وأعظم أثر في رحلة الرجلين، ذلك البعد الإنساني والحضاري الذي أسرا به قلوب الملايين عبر المعمورة، آمنا بأن المحتاجين والمنكوبين عبر العالم شركاء فيما فجّره الله تعالى تحت قدميهما من خير، وأن الحياة أرحب في التسامح والتعايش مع الجميع.

فقد كان الشيخ زايد القائد الإنسان، والحاكم الإنسان، والسياسي الإنسان، والحكيم الإنسان، بل زايد الخير وزايد العطاء، إنه زايد الأمة، وعلى الدرب نفسه سار رفيقه، فقد كان الشيخ صُباح رجل إنسانية من طراز خاص، عقلاً وقلباً، وصَرحاً متكاملاً يشع حكمة وتسامحاً وسعة في الصدر تستشعرها من ابتسامته الحانية التي لم تفارقه طيلة حياته، وكانت مفتاحه لكل القلوب حتى العنيدة منها، إنه صُباح قائد العمل الإنساني.

سيظل «الشيخ زايد» والشيخ صُباح الأثر الخالد والقدوة الملهمة للأجيال المتعاقبة، رحم الله منارة العطاء زايد ورجل الإنسانية صُباح، فقد صنعتما من غيابكما أقوى وأرقى حضور. حقاً، ترحل الأبدان وتبقى الأعمال.