الاحد - 08 سبتمبر 2024
الاحد - 08 سبتمبر 2024

اقتصاد الطبيعة والفرد

عاش الإنسان فترة طويلة من تاريخه يعتمد على الطبيعة، إذ كان للبيئة الجغرافية اليد الأولى في تشكيل واقعه ومصدر رزقه وممارساته وقيمه وعاداته وتقاليده، فالريف والصحراء والجبل ‏والبحر وغيرها خَلق كل منها اقتصاداً بسيطاً، عبّر عن علاقة الفرد الوثيقة بالطبيعة التي كانت أقوى منه بكثير وجعلته خاضعاً لقوانينها وتقلباتها وسلطتها.
فقد فرضت الطبيعة على الأفراد الروح الجماعية المتكاثفة، حيث لا يستطيع الفرد العيش من دون الآخرين ‏وخلق ذلك المصير المشترك الذي يواجه جميع الأفراد الذين يعيشون في بيئة جغرافية معينة، فالفرد لم يكن مستقلاً، بل مرتبطاً بشكل وثيق مع الجماعة التي كونت شخصية جماعية ترتكز على قيم ثقافية ذات بعد واحد تفتقر إلى التعددية ‏واستحالة الاختلاف عن الجماعة وإلا فسيصبح منبوذاً منها.
واقتصاد الطبيعة لا يقوم على التمييز بين قدرات الأفراد الذهنية، نظراً لبساطته وطابعه العملي فلا حاجة لتعليم مؤسسي ولا فروقات في الذكاء، فعملية الزراعة مثلاً يستطيع أن يقوم بها الذكي الحاذق وصاحب ‏العقلية البسيطة فحرث الأرض وزرع البذور والري والحصاد مسألة عملية رتيبة ‏لا تحتاج الى عقول متباينة في الذكاء لإنجازها ولعل ذلك يفسر عدم تقدم البشرية لآلاف السنين بسبب الاعتماد على الطبيعة واقتصادها ذي الطابع السكوني والرتيب الذي ليس بحاجة إلى الفرد المتميز والمبدع والمعرفة التراكمية ‏المرتبطة بالإنتاج الاقتصادي، وهذا ما قاد إلى تهميش الانسان والهيمنة والتسلط عليه باستغلال الدين تارة أو الحظوة الاجتماعية والعرقية تارة أخرى.