الثلاثاء - 26 نوفمبر 2024
الثلاثاء - 26 نوفمبر 2024

مقاطعة تركيا.. والفخ التركي

الخلاف التركي الفرنسي طويل وقديم، وقائم على عدد من الملفات، والتراشق الإعلامي بين أردوغان وماكرون لم يتوقف يوماً، وهذا ما يبدو واضحاً لجميع المتابعين. لكن غير المتابعين ربما لا يدركون ذلك، وربما يعتقدون أن غضبة أردوغان الكاذبة، ومطالبته بمقاطعة المنتجات الفرنسية، كانت بسبب نشر الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم وبسبب تعليقات ومواقف ماكرون منها.

نظام أردوغان يعرف كيف يتلاعب بمشاعر العرب والمسلمين، وأصبح يجيد استغلال الشعارات والرموز الدينية، لتحقيق أجندته وأهدافه السياسية، ولو كان ذلك على حساب خير البشر، النبي محمد (ص)، والمتاجرة بذلك دون مراعاة لمكانة النبي التي يفترض أن نبعده عن أي إساءة أو استغلال سياسي.

صحيح أن تعليق الرئيس الفرنسي بعد مقتل أستاذ التاريخ على يد الشاب الشيشاني المسلم لم يكن موفقاً، وكان مستفزاً، للمسلمين، ولكثير من الفرنسيين العقلاء أيضاً، وكان يمكن أن يكون رده وتعليقه بطريقة مختلفة، وأكثر هدوءاً وقبولاً، بحيث لا تثير مشاعر المسلمين بهذه الصورة.

ولكن في المقابل، فإن الواقع يقول، إن ردة الفعل على ما قاله ماكرون جاءت من أطراف معينة، لتصفية حسابات سياسية قديمة وحديثة، ومن يتابع حملة الدعوة لمقاطعة البضائع الفرنسية يعرف من وراءها، إنها تركيا، التي تعاني من حملة عربية قوية لمقاطعة بضائعها في المنطقة، نتيجة مواقفها العدائية تجاه العرب، التي لا تقل عن موقف ماكرون من موضوع الرسوم المسيئة للرسول.

والسؤال الآن: كيف تورط العرب والمسلمون في تصديق «الكذبة التركية»، التي تستهدف في المقام الأول تغيير تأثير المقاطعة الاقتصادية عليها، وتوجيهها إلى فرنسا؟ ففي كل مرة يقع العرب في الفخ ذاته، ويصدقون «الكذبة» نفسها التي تروجها أطراف سياسية مختلفة، وللأسف تستخدم اسم النبي محمد (ص) في ذلك، لأنها تدرك الحب الجارف والصادق والنقي لدى المسلمين لنبيهم، ورفضهم القاطع لأي إساءة إليه.

هل يعرف هؤلاء الذين يهاجمون فرنسا، ويشاركون في حملة مقاطعة بضائعها، أو مقاطعة الدولة نفسها، أنهم ينفذون أجندة تركية مخططاً لها بإحكام؟! لا شك أنهم لا يعرفون، كما أنهم لا يعرفون كم الرسوم التركية المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، والمسيئة لزوجاته، والمسيئة للإسلام، التي نشرت وتنشر في الصحف، والمجلات، والمواقع التركية دون أن يتحرك أردوغان لوقف تلك الصحف ومحاسبتها.

الغضب الإسلامي من الرسوم، ومن فرنسا، في حقيقته غضب سياسي، لا علاقة له بالدين، ولا بالرسوم المسيئة للرسول، وفيما يتعلق بالجماهير، فإن هذا الغضب يمثل «ردة انفعالية» متأثرة بما تنشره، وتبثه وسائل إعلام موجهة، كما أنه مجرد اندفاع عاطفي، لأنه لو كان غضباً للرسول لتحرك هؤلاء عندما نشرت وسائل الإعلام التركية الرسوم التي تسيء للرسول ولزوجاته وللسيدة عائشة.

إذاً فالأمر ما هو إلا تصفية حسابات مع فرنسا، ومعاقبة الرئيس الفرنسي، باعتبارهما هدفين حقيقيين لحملة أردوغان، كما أن هناك هدفاً ثالثاً يتمثل في تخفيف المقاطعة العربية للبضائع التركية، التي أثبتت قوة تأثيرها على التجار الأتراك الذين بدؤوا يتذمرون من سياسات أردوغان المدمرة للاقتصاد التركي.

خلاصة القول.. هل يدرك العرب والمسلمون، الذين يتبعون كل زاعق وناعق، كيف يتم استغلالهم وتحويلهم لأدوات مجانية لتحقيق أجندات دول وحكومات غير عربية؟ أما رسولنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام فهو أرفع وأعلى وأشرف من أن تسيء إليه تلك الرسوم الساذجة، والأفكار الجاهلة التي لا تعرف عنه وعن الإسلام إلا قشوره.