الاثنين - 30 ديسمبر 2024
الاثنين - 30 ديسمبر 2024

متى نفهم «لوغاريتم» روح العصر؟

منذ «أندريه مالرو» الفرنسي الذي بَشَّر بأن «القرن الحادي والعشرين سيكون روحياً أو لا يكون»، إلى «ألكسندر دوغين» الروسي الذي قال في نظريته الرابعة: «إن المستقبل سيكون للمقدَّس لا للمستباح».. لم نتمكن نحن من إدراك قيمة ما نملك من عناصر حضارة، ولا استطعنا كشف «شيفرة» روح العصر الذي فيه نعيش.

كتب كل من «فيكتور فرانكل»، «يحزقل درور»، «ألفين توفلر»، «يوفال هاراري».. وغيرهم عن كيف سيكون العالم بغير العودة للقيم وللروح، كما لم يخف مستشار الرئيس بوتين «ألسكندر دوغين» فلسفته لتجاوز ما كان مطروحاً من خيارات شيوعية أو ليبرالية أو فاشتسية أمام دولته، واعتبر بوضوح أن احترام تقاليد وأخلاق الشعوب والأمم هي المبادئ التي ينبغي أن يرتكز عليها ما أسماه «النظرية السياسية الرابعة» أساس قوة الكتلة الأوراسية الجديدة في مواجهة الكتلة الأطلسية.

ولا يكاد الرئيس الصيني «شي جين بينغ» يخفي، وهو يتحدث عن مستقبل بلده، الإطار الحضاري الذي تتحرك ضمنه، أو ما أصبح متداولاً في الثقافة الصينية اليوم تحت عنوان «الحضارة الاشتراكية الروحية»! أي أن العالم الشرقي قبل الغربي أصبح يبحث عن ركائز أخرى متينة تُمكِّنه من الاستمرار في هذا القرن، بعد أن تأكدت لديه محدودية القوة المادية التي وصل لها، أمام عمق اللامرئي واللامتناهي وغير الملموس.


وحتى أولئك الذين لا يزالون يناصرون فكرة أن مستقبل العالم ستحكمه فقط التطورات الحاصلة في الهندسة الجينية، والذكاء الاصطناعي، والتحكم في اللوغاريتمات وقواعد المعطيات الضخمة.. إلخ، لم يعد بإمكانهم إخفاء قدرة الاتجاهات الروحية الكبرى وخاصة الديانات كالإسلام والمسيحية على إعطاء معنى لهذه التطورات ومن ثم التحكم في طبيعتها، بما يعني أن هذا البعد غير المرئي سيكون له كبير الأثر في صناعة مستقبل العالم، سواء استمر في قالبه الأطلسي المهيمن اليوم، أو تحولت الهيمنة فيه إلى القالب الأوراسي.


هل امتلكنا نحن ما يكفي من وضوح في الرؤية لمعرفة الموقع الذي سنحتله، وبدائل التعامل مع هذا المستقبل المركَّب الذي بدأت ملامحه تلوح في الأفق؟ وما الذي ابتكرنا في مجال صناعة بديل مشترك، يُمكِنُ للإنسانية أن تعيش في ظله بسلام؟ وإلى متى نبقى غير قادرين على فهم «لوغاريتم» روح عصرنا، ونحن أمة الروح؟، وإلى متى نبقى أسرى الدفاع عن كوننا لسنا أمة الإرهاب؟

إنه بحق ضعف القدرة على الاستباق لدينا، وضعف القدرة على التفكير خارج نطاق ضغط الحاضر الذي نعيش.. وضعف إدراك عمق وقوة وأبعاد لِمَ نحن نصوم ونُصلِّي في هذا الشهر الفضيل.