الاثنين - 25 نوفمبر 2024
الاثنين - 25 نوفمبر 2024

الاقتصاد السياسي للعون الإنساني

للمعونات والتبرعات الإنسانية، من الدول الغنية للفقيرة، اقتصادها السياسي الذي يشكّل جزءاً من الاقتصاد العالمي.. لا بد من أن الكثيرين يتساءلون: لماذا تقوم دول أوروبا الغربية أو الولايات المتحدة بمنح أموال طائلة لمساعدات إنسانية لا تعود عليها بعائد اقتصادي واضح؟ ومن أين لها بذل تلك الثروة الكبيرة من خزنتها سنوياً؟، وهل هي دوماً تعابير صادقة عن النوايا الحسنة، والإحسان الخالص، أم أن المسألة فيها تعقيدات قد لا تظهر للعين المجرّدة؟.. أدناه إجابة مختصرة غاية الاختصار.

العائدات الاقتصادية للدول الغنية تأتي دورياً من عدة مصادر، أهمها الضرائب وأعمال القطاع العام؛ إضافة إلى قطاعات إنتاجية أو خدمية أو مصرفية تعمل فيها أو لديها بها أسهم عالية، وتدخل أرباحها لخزنة الدولة بصورة موسمية.. تذهب نفقات الدولة من تلك العائدات على أجور العاملين في القطاع العام ثم بعض أشكال المعونات الاجتماعية لمواطنيها، إضافة للنفقات السيادية ونفقات القوات المسلحة، والسجون، إلخ..

وعموم الدول الغنية لديها استراتيجيات في موازنة عائداتها ونفقاتها، ولديها أوجه إنفاق استراتيجية لا تعود بعائد اقتصادي مباشر لكنها مهمة وفق خطط طويلة المدى من أجل رفد المصالح والموازنات السياسية ـ اقتصادية عالمياً، لذلك فبعض تلك الدول قد تكون ميزانياتها عاجزة (أي مجموع نفقاتها أكبر من مجموع العائدات)، لكنها تبقى دول قوية وكبيرة بسبب حجم الاقتصاد الكلي الذي تسيطر عليه وحجم سطوتها العسكرية، أكبر نموذج لذلك الولايات المتحدة، التي كثيراً ما يتجاوز عجز ميزانيتها تريليون (ألف مليار) دولار.


وفقاً لذلك تقوم الدول الغنية بتخصيص مقادير بسيطة من ميزانياتها لتوزيعها على «الدول الفقيرة» كمساعدات إنسانية، وكذلك كديون.. هذه النسبة البسيطة تظهر كأموال طائلة بالنسبة للمتلقّين وبعض المراقبين، لكن ذلك يقارَن بأوجه الاستفادة، مثل: فائض الثروة الضخم المتراكم للدول الغنية من العلاقات التجارية الميسّرة مع الدول الممنوحة («الفقيرة»)، والذي يؤدي مثلاً إلى استيراد الكثير من المواد الخام من البلدان الفقيرة بأسعار زهيدة كيما يعاد بيعها لها بأسعار عالية كبضائع مكتملة، ما يرفد اقتصاد البلدان الغنية كثيراً، وكل ذلك لا ينفي، طبعاً، وجود حالات محدودة صادقة من العون الإنساني.


إذن، بسبب تخطيط استراتيجي - لكن غير معقّد - تستفيد الدول المانحة استفادة طويلة المدى من الأموال التي «تمنحها» للدول الفقيرة في شكل مساعدات إنسانية.