نمت إصدارات الصكوك في الإمارات بأكثر من 6 أضعاف معدل نموها عالمياً خلال الربع الأول من العام الجاري 2022 مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2021، فبينما ارتفعت الإصدارات في الإمارات بنسبة 76% إلى 1.25 مليار دولار نهاية الربع الأول مقارنة بـ710 مليون دولار نهاية الربع الأول 2021، بلغت نسبة نمو الإصدارات عالمياً الـ11.6% لتصل إلى 64.5 مليار دولار خلال فترة المقارنة ذاتها.
وأفاد الرئيس العالمي للتمويل الإسلامي وكبير المديرين في وكالة فيتش للتصنيف، بشار الناطور في حوار خاص مع «الرؤية»، أن الإصدارات في السوق المحلي لا تزال تتخذ مسار صاعد إذ نمت في الربع الأول من العام الجاري بنحو 117.4% إلى 1.25 مليار دولار مقارنة بـ575 مليون دولار خلال الربع الأخير من 2021.
وأشار الناطور، إلى أن الإصدارات القائمة خليجياً بلغت 281 مليار دولار وفي الإمارات 49 مليار دولار، فيما تبلغ إجمالي قيمة الإصدارات القائمة عالمياً كما في نهاية الربع الأول من العام الجاري 722.8 مليار دولار.
وتفصيلاً تبلغ حصة الإمارات من إجمالي الصكوك العالمية القائمة حالياً نحو 6.77%، ونحو 17.4% من إجمالي الإصدارات الخليجية القائمة، فيما تبلغ حصة الإصدارات الخليجية من إجمالي الإصدارات العالمية نحو 39%، ويذكر أن الإصدارات الخليجية بلغت 20.3 مليار دولا خلال الربع الأول من 2022.
وأما عن قيادة الإصدارات في المنطقة أفاد الناطور بأن الإصدارات السيادية هي الأساسية، لا سيما عنج الحديث عن السعودية التي باتت أكبر المصدرين في المنطقة خاصة وأنها تصدر الصكوك بالعملة المحلية (الريال) إضافة إلى الإصدارات بالعملات الصعبة كالدولار.
وعن إصدار الإمارات للصكوك أو السندات بالعملة المحلية، أوضح الناطور أن الإصدار بالعملة المحلية (الدرهم) تعتبر خطوة مهمة وضرورية من اجل تطوير أسواق الدين بالعملة المحلية وبناء وتنويع مصادر التمويل، وتشكيل مرجع استرشادي للأمان ضمن مستوى معين.
وقال «يوفر الطرح بالعملة المحلية مزايا لا توفرها الإصدارات العالمية سواء للمصدرين المحليين غير القادرين على دخول السوق العالمي لتعقيد عمليات الطرح ومتطلباته المرتفعة نسبياً، إضافة إلى المستثمرين المحليين بفئاتهم المختلفة بما فيهم المستثمر المؤسسي ومستثمر التجزئة اللذين يمكن أن يجدون في الطروحات المحلية (سندات أو صكوك) فرصة للوصول إلى أسواق الدخل الثابت».
وأشار إلى أن الإصدار المحلي عادة أقل تعقيد وأبسط من ناحية المتطلبات وأسرع من ناحية ترتيب الإصدار وأقل كلفة في العموم، وهذا يمكن أن يشجع في المستقبل الشركات خاصة منها غير القادرة على تلبية متطلبات الإصدارات العالمية على طرح سندات أو صكوك بالعملة المحلية للوصول إلى أحجام تمويل تلبي تطلعاتها وتتناسب مع احجامها.
وأوضح الناطور أن بناء منحنى العائد عادة هو نقطة البداية وهذا يتطلب سلسلة واسعة من الإصدارات بآجال مختلفة، وهذه تحدد نقطة البداية أو نقطة العلام لكل السوق، لافتاً إلى أن الإصدار الأول لسندات بثلاثة آجال مختلفة تعتبر نقطة انطلاق مهمة، وبها تكون الإمارات قد قطعت شوطاً في عملية تطوير الإصدارات بالعملة المحلية.
تصنيفات فيتش
ووفق الناطور «كانت 79%من الصكوك التي تقيمها فيتش نهاية الربع الأول من عام 2022، ذات تصنيف استثماري و88.5% من المصدرين لديهم نظرة مستقبلية مستقرة».
وبين أن إجمالي الصكوك القائمة في تصنيف وكالة فيتش بلغ 135.2 مليار دولار، بزيادة قدرها 2.1%.
الصكوك أفضل أداء من السندات
وبين أن تحليل فيتش أظهر أن أداء الصكوك أفضل من السندات في الأسواق الناشئة في الربع الأول من العام الجاري، حيث ارتفع إجمالي الصكوك المقومة بالدولار الصادرة في الأسواق الناشئة (باستثناء الصين والمؤسسات متعددة الأطراف) بنسبة 97%، في حين زاد إصدار السندات بنسبة 7.6% فقط. وأوضح أن تفوق الصكوك يرتبط بعنصرين، الأول أن مستثمري الصكوك ليسوا جميعاً مستثمرين عالميين، حيث أن المستثمرين الإسلاميين وعلى رأسهم البنوك الإسلامية باعتبارهم أكبر المستثمرين في الصكوك لا يزالوا محتفظين بقوتهم المالية كون أغلب هؤلاء المستثمرين متواجدين الدول الكبرى المصدرة للصكوك والتي هي دول مصدرة للنفط، إذ أن أكثر من 70% من الدول المصدرة للصكوك هي مصدرة للنفط.
وتابع «إذا نظرنا إلى الأسواق الناشئة في العموم نلاحظ أنهم تأثروا بالعديد من العوامل كارتفاع أسعار الفائدة ونسب التضخم، إضافة إلى الحرب الروسية الأوكرانية».
أسعار النفط والاصدارات الخليجية
وحول ارتفاع الإصدارات في الدول النفطية والخليجية تحديداً في ظل غياب الحاجات التمويلية الجديدة مع ارتفاع أسعار النفط، قال الناطور، «الإصدارات إما تكون سيادية أو مؤسساتية، وبالنسبة لإصدارات الدول رغم وفرة السيولة فالمسألة ترتبط بوجود سياسات واستراتيجيات لتنويع مصادر التمويل والبقاء في السوق، إضافة إلى وجود استحقاقات مالية يرغبون بإعادة تمويلها، وكذلك القدرة في ظل الظرف الراهن على الاستفادة من الوضع المالي الجيد، وأما الإصدارات المؤسساتية فأغلبها يصدر عن مؤسسات مالية، إذ تلجأ البنوك إلى تنويع مصادر التمويل لتضيف إلى مصادرها التقليدية (الودائع) عند وجود الفرصة المناسبة».
وأكد وجود اتجاه في العديد من الدول لتقليل الاعتماد على البنوك في تمويل الشركات وحثهم على الذهاب إلى أسواق الدين الأخرى (صكوك وسندات).
وقال «إن تطور أسواق المال سواء فيما يتعلق بالأسهم أو السندات يشكل عنصر مهم لتطوير أسواق الدين وتنويع مصادر التمويل لمختلف الشركات».
ارتفاع كلف التمويل
وفيما يخص أسعار الفائدة واتجاهها الصعودي في الوقت الراهن وأثرها على إصدارات الصكوك، أوضح أن ارتفاع الفائدة يرفع كلف التمويل بصفة عامة، لكن الإصدارات قد تكون ضرورية، ففي العموم إصدارات الشركات تأتي إما لتمويل التزامات مستحقة، او تمويل توسعات، أو عمليات استحواذ واندماج.
وتابع «عند الحديث عن الصكوك على وجه الخصوص فلا بد من الإشارة إلى وجود الشهية كون الطلب لا يزال أكبر بكثير من العرض وكون سوق الصكوك وإصداراتها لا تزال بعيدة جداً عن النضوج من ناحية الحجم».
الصكوك دون الـ2% من أدوات الدخل الثابت
وقال «ضمن البلدان الـ10 الأساسية في إصدار الصكوك فنحو 40% من الإصدارات هي صكوك، لكن عند النظر إلى الصورة الكلية عالمياً فالصكوك لا تشكل أكثر من 2% من إجمالي الإصدارات إلى الآن وعلى الرغم من نموها بنسب أكبر من نمو السندات بكثير».
وحول التضخم من جهة وانخفاض العائد على السندات والصكوك، وأثر ذلك في تخفيض شهية المستثمرين، أشار إلى أن العوائد في العموم ترتبط بالمخاطر، ولا بد من تنويع المخاطر من قبل المستثمرين، وبالتالي فوجود مستثمر لأسواق الدخل الثابت على الرغم من تأثرها بالتضخم مضمون لا سيما عند الحديث عن الصكوك التي تعتبر ناشئة.
المعيار الشرعي 59 يضغط الإصدارات محلياً وعالمياً
وأما بالنسبة للمعيار الشرعي رقم 59 من هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (أيوفي) وأثره على إصدارات الصكوك، أوضح الناطور أن تطبيق هذا المعيار في الإمارات على سبيل المثال ينطبق بشكل أساسي على البنوك التي تخضع لمظلة البنك المركزي الإماراتي وذلك إضافة إلى جميع معايير «أيوفي» الشرعية الأخرى، وأصبحت البنوك مضطرة للالتزام بهذا المعيار سواء كمصدر أو مستثمر أو مرتب للإصدارات، وبالتالي فذلك لا يؤثر على الصكوك في الإمارات فقط بل عالمياً كون الإمارات تلعب دور عالمي في الإصدارات سواء من حيث ترتيب الإصدارات أو الاستثمار بها.
وحول الكلفة الإدارية لإصدار الصكوك والسندات والعائد عليها وتكلفة التأمين، أشار إلى ان تكلفة الصكوك في العموم أكبر وأكثر تعقيداً من إصدار السندات وتحتاج وقت أكبر، لكن في العموم فمنحنى العائد متقارب، لافتاً إلى أن وكالة فيتش قامت بدراسة 52 إصدار ما بين سندات وصكوك من قبل 11 مُصدر، وأوجدت أن النسب متقاربة جداً بناء على فترة الإصدار ونوع العملة والاستحقاق.
انتهاء برامج الدعم لن يخلق صدمات
وحول قرب انتهاء برامج الدعم في بعض البلدان حول العالم ومنها الإمارات بطبيعة الحال، قال الناطور، «على الرغم من تأثر شريحة من العملاء، ففي العموم لا نتوقع وقوع صدمات قوية سواء بالنسبة للبنوك التقليدية او الإسلامية».
3 فئات تترقب ضريبة الشركات
وعن اقتراب تطبيق ضريبة الشركات في الإمارات منتصف العام المقبل 2023، أشار إلى أن وكالة فيتش صنفت الشركات ضمن 3 فئات، الأولى تتمثل في الشركات المرتبطة بالحكومة وهذه ستكون متأثرة بشكل محدود جداً، والثانية تشمل الشركات المرتبطة بالحكومة لكن يتم تصنيفها بشكل منفصل ويتم إضافة عامل الارتباط بالحكومة بحيث يتم رفع التقييم على أساس التقييم السيادي ودرجة ارتباط الشركة بالحكومة، فيما تتمثل المجموعة الثالثة بالشركات المحلية المصنفة على أساس مستقل، لافتاً إلى أن الفئتين الثانية والثالثة هما الأكثر تأثراً جراء فرض الضريبة، فيما يختلف الأثر أيضاً من قطاع إلى آخر وحسب المرونة المالية لكل شركة وقدرة الشركات على تمرير الكلفة للمستهلك النهائي.
ضبابية مشهد العملات الرقمية
وحول العملات الرقمية وطريقة تعامل الاقتصاد الإسلامي معها قال الناطور، «في البداية وقبل الدخول في النواحي الشرعية وقدرة الاقتصاد الإسلامي على التعامل مع هذا الواقع الجديد، لا بد من الإشارة إلى وجود فجوة في التشريعات وحالة عدم يقين في العموم في أغلب بلدان العالم، لافتاً إلى انه وبعد الانتهاء من قضية قانونيتها وتشريعها في البلدان المختلفة ننتقل إلى بحث شرعيتها الإسلامية، وبالتالي فنحن لا نزال بعيدين عن ذلك ونحن لم نتجاوز المرحلة الأولى».
وبين أن التمويل الإسلامي والاقتصاد الإسلامي لا يعمل بمعزل عن البيئة التشريعية، وبالتالي فشرعية العملات الرقمية أو المشفرة تعتبر خطوة لاحقة، لا سيما وأننا لا يمكن أن نُجمل كافة العملات في سلة واحدة، ومع احتمالية أن نرى دول معينة قد تصدر عملات رقمية في المستقبل.
وقال «إلى الآن هناك وجهتان نظر فبعض الجهات الشرعية قامت بتحريمها، وجهات اختارت الانتظار إلى ان تتضح معالم وأبعاد هذه القضية، ونحن إلى الآن نراقب هذه التطورات».