يحتل تحدي التضخم مكان الصدارة في أذهان المستثمرين بعد أن تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في ارتفاع أسعار النفط إلى ما يزيد على 100 دولار للبرميل، ما زاد من موجة الإشارات الحمراء التي كانت الأسهم تتصارع معها بالفعل.
إذ ذكرت بلومبرج نقلاً عن محللين استراتيجيين من بينهم كبير مسؤولي الاستثمار فينسينت مورتييه في أموندي، أكبر شركة لإدارة الأصول في أوروبا، أن: «ارتفاع أسعار النفط يعد مصدراً رئيسياً لمخاطر التضخم في وقت يشهد تضخماً عالمياً حاداً بالفعل».
وفي حين كانت أسعار النفط في صعود على خلفية الاقتصاد المزدهر في أعقاب الركود الناجم عن الوباء، أدى غزو أوكرانيا إلى موجة من العقوبات الغربية ضد أحد أهم منتجي السلع الأساسية في العالم، ما دفع الأسعار إلى الأعلى. واليوم تكافح الشركات للحفاظ على هوامش الربح في مواجهة ارتفاع التكاليف، ما أدى إلى ارتفاع كل شيء من الغاز الطبيعي إلى المواد الغذائية والألمنيوم.
وألقت الأزمة بالأسواق العالمية في حالة من الانهيار الشديد، ما أدى إلى تقلبات شديدة، وتخفيضات مستهدفة وتغييرات في التخصيص.
فمن حيث تغيير الثروات، أدى ما أسماه بنك أوف أمريكا «صدمة» من ارتفاع أسعار الطاقة، إلى مجموعة من التوقعات القاتمة حول مستقبل الأسواق الأوروبية. وخفض الاستراتيجيون من بنك أوف أمريكا إلى بنك جولدمان ساكس جروب تقديراتهم لمعايير القارة، مشيرين إلى تأثير المواجهة العسكرية وارتفاع التكاليف على الاقتصاد الأوروبي.
إنه تغيير ملحوظ في ثروات الأسهم الأوروبية، الذي بدأ هذا العام على ارتفاع، مدعوماً بالتفاؤل بأنهم سيمددون انتعاشهم بعد الوباء ويتفوقون على نظرائهم الأمريكيين في عام 2022 وسط تناوب عالمي إلى ما يسمى بأسهم القيمة الأرخص. وتشير أحدث البيانات المتاحة حول تدفقات الأموال من EPFR Global إلى أن المخاطر الناجمة عن حرب أوكرانيا تغذي الآن هجرة جماعية للمستثمرين.
أما بالنسبة للمستثمرين الذين يسعون للاحتفاظ بموطئ قدم في أوروبا وقيمة الأسهم، يتم الترويج للمملكة المتحدة كملاذ آمن.
وصرح بول أوكونور، رئيس الأصول المتعددة في Janus Henderson Investors، في رسالة بالبريد الإلكتروني: «إننا نشهد ظهور فرص مثيرة للاهتمام في أسواق الائتمان الأوروبية، حيث تعمل تدفقات المستثمرين إلى الخارج على رفع العوائد وفروق الأسعار».
وردد بنك جولدمان ساكس صدى المعنويات، ورفع هدفه لمؤشر الأسهم الكبيرة في المملكة المتحدة تماماً كما خفض تصنيف منطقة اليورو يوم الجمعة. وذكر الخبراء الاستراتيجيون في جولدمان بقيادة شارون بيل أن: «المؤشر ليس له أي تعرض تقني تقريباً وله وزن ثقيل في قيمة الأسهم والبيانات المالية».
وفي آسيا، يدعو الاستراتيجيون في جولدمان ساكس إلى التناوب على السلع الثقيلة في أستراليا ويوصون بزيادة الوزن في قطاع الطاقة. يتوقع بعض مديري الأموال مثل Modular Asset Management ومقرها سنغافورة أن يصبح المصدر الصافي ماليزيا تحوطاً رئيسياً وسط التوترات الجيوسياسية المتزايدة.
كما أن صعود النفط عزز أيضاً أكبر منافس له في مجال الطاقة، حيث ارتفعت مخزونات الطاقة المتجددة من أوروبا إلى الصين هذا الأسبوع، وسط توقعات بأن اضطرابات إمدادات الطاقة من الاضطرابات الأوكرانية قد تعزز الإرادة السياسية لتسريع الانتقال إلى الطاقة النظيفة.
وارتفع مؤشر الطاقة المتجددة الأوروبي بأكثر من 10% هذا الأسبوع، في تناقض صارخ مع السوق الأوسع الذي أنهى أسبوعاً آخر في المنطقة الحمراء. كما صعدت العديد من الشركات الخضراء الأمريكية، حيث صعدت أسهم Sunrun Inc، أكبر شركة للطاقة الشمسية السكنية في البلاد، بنسبة 22% يوم الخميس، وهي أكبر نسبة منذ يوليو 2020. وارتفعت أسهم شركة Longi Green، أكبر شركة لتصنيع وحدات الطاقة الشمسية في العالم، يوم الجمعة.
كتب روب بارنيت المحلل في بلومبيرج إنتليجنس في تقرير يوم الخميس: «قد يتخذ المشرعون الأوروبيون خطوات لتقليل اعتماد المنطقة على إمدادات الغاز الروسي، ونعتقد أن مصادر الطاقة المتجددة يمكن أن تقدم أسرع مسار للحد من استخدام الغاز في صناعة الكهرباء».
حتى لو أدى ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري إلى تسريع انتقال أوروبا في نهاية المطاف إلى الحياد المناخي، فإن مخزونات السلع التقليدية هي التي ستجني المكاسب غير المتوقعة على الفور. تتضمن شاشة الأسهم الموصى بها من جي بي مورجان تشيس وشركاه وسط أزمة الطاقة شركة إكسون موبيل، في حين يروج جولدمان بيل لموقف زائد في الطاقة الأوروبية، قائلاً إن القطاع «غير مكلف بحد ذاته وهو وسيلة تحوط جيدة ضد الصراع الطويل والمزيد من ارتفاع أسعار الطاقة».
النفط والغاز هو أفضل قطاع أداء في مؤشر S&P 500 هذا العام حتى الآن، وتعد شركة ماراثون أويل من بين أكبر الرابحين. وبالمثل في أوروبا، تعد الطاقة وعمال المناجم الأفضل أداءً لعام 2022 حتى الآن، متحدية تراجعاً بنسبة 7٪% لمؤشر Stoxx 600.
ولعل القوة السلعية المعرضة لخطر الخسارة في الارتفاع، هي روسيا، بعد موجة من العقوبات التي تستهدف بنوكها واقتصادها. وشهد المؤشر القياسي في البلاد أكبر انخفاض له على الإطلاق يوم الخميس، بعد شن الهجوم على أوكرانيا. ومع ذلك، ينصح الخبراء الاستراتيجيون المستثمرين بالتشبث بتجنب اتخاذ قرارات متسرعة.
ويوصي Thozet بشراء أسهم الرعاية الصحية والسلع الاستهلاكية بدلاً من الأسهم التقديرية للمستهلكين، في حين يرى الاستراتيجيون في جي بي مورجان بقيادة دوبرافكو لاكوس-بوجاس، أن الأسهم الدفاعية مثل شركة لوكهيد مارتن ونورثروب جرومان تربح من الاضطرابات.
من ناحية أخرى، ستعاني شركات الطيران، مثل شركة دلتا إيرلاينز ويونايتد إيرلاينز القابضة، من ارتفاع تكاليف الوقود، في حين أن الشركات ذات الإيرادات الروسية المرتفعة، مثل شركة بيبسي، وفيليبس موريس العالمية وإست لودر و«ماكدونالدز كورب» يتعرضان للتصعيد.