وجهت دول مجلس التعاون الخليجي مزيداً من التركيز نحو معالجة تحديات التغير المناخي، إلا أن الحاجة تبقى حاضرة لبذل المزيد من الجهد لتحقيق أهداف إزالة الكربون. وبينما يُعزى نحو 40% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية إلى عمليات حرق الوقود لتوليد الطاقة والتدفئة، يتعين وضع هدف إزالة الكربون من قطاع الطاقة كأولوية قصوى لاستشراف مستقبل أكثر استدامة. ويمكن تحقيق هذا الهدف في دول مجلس التعاون الخليجي بأسلوب أكثر كفاءة عبر الاستفادة من الإمكانات الهائلة لمصادر الطاقة المتجددة في المنطقة وتسخير احتياطات الغاز الطبيعي الوفيرة فيها، تزامناً مع التخلي عن استخدام أنواع الوقود السائل مرتفعة الكثافة الكربونية على غرار النفط والديزل، وهو الأمر الذي بدا جلياً في نتائج الدراسة البحثية الجديدة التي أعدتها «جنرال إلكتريك» بعنوان: مسارات سريعة لإزالة الكربون من قطاع الطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي
وقال جوزيف أنيس الرئيس والمدير التنفيذي لوحدة أعمال خدمات الطاقة وأنظمة الطاقة الغازية لدى «جنرال إلكتريك» في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا: «لا يقتصر التحدي الذي يعترض طريقنا اليوم على ضرورة توفير مصادر للطاقة منخفضة الكربون فحسب، بل يفرض علينا إيجاد حلول فعالة قادرة على تقديم مصادر موثوقة للطاقة تمتاز بالاستدامة ويمكن الحصول عليها بتكلفة معقولة، لا سيما في الوقت الذي يرتفع فيه الطلب على الطاقة الكهربائية بوتيرة سريعة. وبما أنه لا يوجد حل واحد قادر على معالجة شتى هذه التحديات، نؤمن بضرورة تطبيق حلول متنوعة تشتمل على طاقة الرياح والطاقة الشمسية والمائية والغازية والنووية وحلول تخزين الطاقة الكهربائية بالبطاريات والحلول الهجينة وغيرها، والتي ستساهم في مزيج الطاقة المستخدمة في المنطقة لأجل طويل».
وتشير الدراسة البحثية إلى تسجيل المنطقة لمعدل نمو سنوي مركب يصل إلى 69% في استطاعة الطاقة المتجددة خلال الفترة الممتدة من 2015 ولغاية 2020، إذ بدأت من قيمة منخفضة للغاية ليصل حجمها الإجمالي إلى 2.4 غيغاواط في نهاية تلك الفترة. وجاء هذا النمو مدفوعاً بعوامل جيدة وقوية على غرار انخفاض التكاليف، لاسيما تلك المترتبة على حلول الطاقة الشمسية الكهروضوئية؛ وملاءمة حلول الطاقة الشمسية للمشاريع الضخمة؛ والتطورات التقنية التي مكنت استخدام تقنيات الطاقة المتجددة في البيئات الحارة والقاسية بدول مجلس التعاون الخليجي.
وبما أن نشر مصادر الطاقة المتجددة والمتنوعة بشكل سريع يمكن أن يسبب نشوء عدد من التحديات على غرار استقرار شبكات نقل الطاقة، تتناول الدراسة البحثية بالتفصيل كيف يمكن لطاقة الغاز دعم استقرار مصادر الطاقة المتجددة المتغيرة وتعزيز قدرتها على تلبية الطلب المتغير على الطاقة الكهربائية عبر زيادتها وخفضها حسب الحاجة، لاسيما وأن تقنيات الطاقة الغازية باتت أكثر كفاءة وتوافراً ويمكن الحصول عليها بكلفة في المتناول. وبالنظر إلى أن نحو ثلث الطاقة الكهربائية في دول مجلس التعاون الخليجي يتم توليدها باستخدام أنواع الوقود السائل على غرار زيت النفط، وزيت الوقود الثقيل وغيرها، فإن استبدال هذه المصادر بالغاز الطبيعي يقود إلى خفض كبير في الانبعاثات الكربونية، دون المساس بمستويات الموثوقية في واردات الطاقة الكهربائية، حيث يمتلك الغاز الطبيعي أدنى معدلات كثافة الانبعاثات بواقع 307-395 غراماً لكل كيلو واط ساعي من الكهرباء المولدة، مقارنة بنحو347-395 من ثنائي أوكسيد الكربون لكل كيلو واط ساعي في محطات توليد الطاقة باستخدام الوقود السائل. أضف على ذلك أن الكهرباء المولدة باستخدام الغاز أكثر كثافة من تلك الناتجة عن مصادر طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وتتطلب مساحات أقل من الأرض لكل وحدة توليد مركبة، حيث تحتاج محطة طاقة الغاز الطبيعي المخصصة لتوليد 1 غيغاواط بالدورة المركبة مساحة قدرها 13 فداناً مقارنة بنحو 5 إلى 6 آلاف فدان لمزرعة الطاقة الشمسية.
ومن الوسائل الأخرى المهمة لإزالة الكربون من قطاع الطاقة على الأمد القصير هي تحسين أداء البنية التحتية للطاقة الغازية في المنطقة من خلال تنفيذ تحديثات التوربينات وتحويل عملها من الدورة البسيطة إلى المركبة، وهو إجراء يكفل تعزيز قدرات توليد الطاقة الكهربائية بنسبة 50% دون استهلاك المزيد من الوقود أو زيادة معدلات الانبعاثات. والأكثر أهمية، يمكن لتقنيات طاقة الغاز تقليص الانبعاثات الكربونية أكثر عند استخدام الهيدروجين لتوليد الطاقة أو تقنيات التقاط الكربون من العادم. وعند النظر إلى الفوائد المستقبلية، سنجد أن كلفة الاستثمار في تقنيات التوربينات الغازية اليوم ستكون أقل بكثير مما سيتعين علينا إنفاقه للحد من البصمة الكربونية لأصول توليد الطاقة في المستقبل.