عندما أدرجت شركة داماس للمجوهرات أسهمها في سوق دبي المالي في عام 2008، توقعت الأوساط الاقتصادية أن يؤسس ذلك لموجة من إدراج الشركات العائلية في أسواق المال المحلية، لكن كما يبدو لم يتم تفعيل هذا التوجه بالقدر المتوقع خلال السنوات الماضية، ويعود السبب في ذلك إلى أن الشركات العائلية عندما تتحول لشركة مساهمة تفقد الكثير من هويتها واستقلاليتها، ولا سيما فيما يتعلق بتوزيع الأرباح، وهو ما لا يروق لكثير من أصحاب هذه الشركات، كما أن الشركات العائلية تفضل البقاء بعيداً عن الرقابة الخارجية والأضواء الإعلامية.
منذ بداية العام الجاري، تم تعديل قانون الوكالات التجارية في الإمارات، بحيث يسمح للوكلاء التجاريين في الدولة بالإدراج بأسواق المال، علماً بأن التعديل الجديد سيمكن الأجانب من التملك في وكالات تجارية مقصورة ملكيتها على مواطني الدولة، ورغم ذلك لم نرَ منذ بداية العام أي توجهات من قبل الوكلاء التجاريين، ومن خلفهم الشركات العائلية التي تتحكم بالوكالات، للتوجه نحو الإدراج، كون أغلب الشركات العائلية تسعى للحفاظ على هويتها وإبقاء العمل التجاري داخل العائلة، ما يمنحها السرعة الكافية في اتخاذ القرارات الجوهرية، ووضع السياسات التجارية الخاصة بها على المدى الطويل.
إلا أن رجل الأعمال الإماراتي، رئيس مجلس إدارة مجموعة الحبتور، خلف أحمد الحبتور، أعلن في التاسع من الشهر الجاري، أن مجموعته تدرس منذ فترة طويلة طرح شركاتها كشركات مساهمة، وأنه يجري بحث الإدراج في سوق دبي المالي.
وقال الحبتور، حينها: «منذ مدة طويلة وأنا أدرس مع كبار مديري الشركة إدراج مجموعة الحبتور في الأسواق المالية للحفاظ على استمراريتها، واقتربنا في هذه المرحلة بنسبة كبيرة من اتخاذ القرار». وأوضح أن الشركات العائلية تشكل اليوم ركيزة للاقتصاد في دبي والإمارات، وهي شريكة في مسؤولية البناء والنجاح، وأتمنى أن نشارك شبابنا وبناتنا بهذا النجاح».
فائدة للمتعامل
ويؤكد اقتصاديون أن فوائد تعديلات قانون الوكالات التجارية تشمل الشركات العائلية التي لديها وكالات تجارية عبر توفير قنوات تمويل جديدة تمكنها من التوسع وزيادة حجم أعمالها، ومن خلال وجود القواعد التي تعزز استمراريتها وتمكنها من نقل الملكية بسلاسة من جيل إلى تالٍ، فضلاً عن استفادة أسواق الأسهم والمستثمرين من دخول أسهم جديدة تمثل أسهم تلك الشركات، التي ستمثل فرصة استثمارية ممتازة تجتذب السيولة المحلية الأجنبية وتعيد النشاط إلى التداولات.
ويرى مدير المخاطر المالية ورئيس قسم الاستشارات والاستثمارات في سنشري فاينانشال، ديفيش مامتاني، إنه على مدى عقود، اضطرت الشركات متعددة الجنسيات إلى تعيين شركاء محليين لتوزيع سلعهم في الإمارات.
وأشار إلى أنه باقتراح الحكومة إصدار تشريع لمنع اتفاقيات الوكالات التجارية القائمة على التجديد التلقائي، يمنح الشركات الأجنبية خياراً لتوزيع سلعها الخاصة، أو تغيير وكلائها المحليين عند انتهاء العقود.
وأكد أن هذه الخطوة ستحرم الشركات العائلية من الوصول إلى تحقيق ثروات بسهولة، لكنها ستفيد المتعاملين حيث ستزيد المنافسة وتؤدي إلى تسعير أفضل للمستخدم النهائي.
ولفت إلى أنه على الرغم من أن هذه التعديلات ستضر بربحية الشركات المحلية على المدى القريب، إلا أنها ستجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى الإمارات، ما سيؤدي إلى زيادة النمو والازدهار للبلاد، ويعود بالنفع على جميع الشركات على المدى الطويل.
ونوه مامتاني إلى أن طرح الشركات العائلية للاكتتاب العام يجعلها تحصل على الدعم المالي اللازم لتحمل المنافسة المتنامية، ما يضمن قدرتها على البقاء على المدى الطويل.
وتابع: «يتيح دخولهم إلى الأسواق المالية الحصول على التمويل الذي يحتاجون إليه لتوسيع وتنويع عملياتهم في المنطقة، ما يسمح لهم بالبحث عن إمكانات استثمارية وإنشاء اسم تجاري ليس فقط في دولة الإمارات، وإنما في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي».
منافع عدة
بدوره، أكد خبير أسواق المال وعضو المجلس الاستشاري الوطني لمعهد الأوراق المالية والاستثمار في الإمارات وضاح الطه، أن الشركات العائلية ستستفيد من الإدراج في أسواق المال.
وحدد الطه 3 فوائد ستحققها الشركات العائلية من الإدراج، تتمثل في مزيد من حوكمة الشركة ورفع حالة لانضباط والشفافية بشكل أكبر، إلى جانب ذلك أعداد الكشوفات المالية تحت رقابة السوق بشكل ربع سنوي، فضلاً عن أن عملية الإدراج بغض النظر عن النسبة التي ستدرجها الشركة في سوق المال، ولا سيما إذا كانت الشركة ناجحة ولها سمعة وتاريخ إيجابي فسيكون الإدراج بمثابة تمويل رخيص مقارنة بأدوات التمويل الأخرى. وتابع بأن المبالغ المستلمة من عملية الإدراج ستسهم في دعم المركز المالي للشركة والمالكين، وستساعدهم في تنفيذ مزيد من خطط التوسع والنمو وفق رؤى واضحة المعالم.
وقال الطه إن النقطة الأساسية التي تشكل قلقاً بالنسبة للشركات العائلية هي مسألة الإدارة، ونعتقد أن القوانين الجديدة تمكن المالكين من الحفاظ على السيطرة، إنما تحت رقابة السوق وهيئة الأوراق المالية، لافتاً إلى أنه في السابق كان هناك هواجس تتعلق بكون الإدراج ممكن أن يفقدهم السيطرة، لكن اليوم مع القوانين الجديدة بإمكانهم إدراج 30% مثلاً مع الحفاظ على 70% تحت سيطرتهم.
وذكر الطه أن أحد تداعيات عملية الإدراج هو مسألة الأجيال المقبلة والإرث، ونعتقد أن الإدراج يبقي الشركة في إطار قانوني ومؤسسي وتحت رقابة السوق، ما يعطي مزيداً من الاستقرار للمؤسسة.
ترسيخ الحوكمة
وتستهدف تعديلات قانون تنظيم الوكالات التجارية التي اعتمدها مجلس الوزراء مواكبة التطورات الاقتصادية والاحتياجات التنموية والاستثمارية في الدولة وفق أفضل الممارسات العالمية.
ويستهدف مشروع القانون قطاع الأعمال والشركات المساهمة العامة، ومواطني الدولة والمستثمرين الأجانب، ويسهم بتعديلاته في تعزيز البيئة التنافسية لاقتصاد الإمارات وزيادة الاستثمارات، وضمان توفير مستوى عالٍ من الخدمات، وفتح المجال أمام الشركات العائلية للتحول إلى شركات مساهمة عامة بما يمكنها من الاستمرارية لأجيال قادمة.
كما تستهدف التعديلات تعزيز قدرات واستمرارية الشركات العائلية، وترسيخ قواعد حوكمتها وحمايتها من التعثر، بالإضافة إلى تشجيع مواطني الدولة على ممارسة الأعمال والاستثمار بالشركات المساهمة العامة وحماية مصالحهم.
ويعمل مشروع القانون على تقديم فرص للسوق المالي من خلال تحول الشركات وإدراجها بأسواق المال بالدولة، وتشجيع مواطني الدولة على ممارسة الأعمال والاستثمار بالشركات المساهمة العامة التي لديها وكالات تجارية وتملك وكالة تجارية بأقل مخاطر ممكنة، ولا سيما صغار المساهمين، إلى جانب حماية مصالح مواطني الدولة، خاصةَ أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، من تعسف الموكل بإنهاء العقود من نقل الملكية بسلاسة.
تأسيس مكاتب العائلة الواحدة
أعلنت سلطة مركز دبي التجاري العالمي أخيراً، عن لوائح تنظيمية جديدة تشجع الشركات العائلية على تأسيس مكاتب العائلة الواحدة والعوائل المتعددة في المنطقة الحرة.
وتلبي اللوائح الجديدة، احتياجات المؤسسات العائلية، وتوفر منصة جديدة للعوائل الثرية لتأسيس شركات قابضة خارجية في المنطقة الحرة التابعة لسلطة مركز دبي التجاري العالمي، لإدارة ثرواتها وأصولها واستثماراتها العائلية في مختلف أنحاء العالم من دبي.
وتعد دبي من أبرز الوجهات العالمية المفضلة للعوائل فائقة الثراء، إذ شهدت انتقال أكثر من 2000 شخص من أصحاب الثروات الضخمة للإقامة في الإمارة خلال النصف الأول من العام الجاري، كما ارتفع عدد سكان دبي من ذوي الملاءة المالية العالية بنسبة 3.8%، من 52 ألف شخص في ديسمبر الماضي إلى 54 ألف شخص حالياً.
وتسهم الآفاق الواعدة لبيئة الأعمال في دبي بتوفير وجهة متميزة لأنشطة مكاتب العائلة الواحدة والعوائل المتعددة والصناديق الائتمانية والمؤسسات.
وتعد الشركات العائلية، فئة مهمة في المشهد الاقتصادي العالمي، وهي جزء أساسي من مجتمع الاستثمار الدولي الأوسع.
وتدرك سلطة المركز الحاجة إلى إطار قانوني وتنظيمي مُتخصص يوفر مزيداً من المرونة والمزايا الأساسية لتأسيس مكاتب العائلة الواحدة والمتعددة في دبي، ما يوفر بيئةً جاذبة تتيح للمكاتب العائلية إدارة أعمالها بنجاح.