انتشرت مؤخراً على مواقع التواصل الاجتماعي بالتزامن مع أزمة فيروس كورونا المستجد «كوفيد-19» إعلانات تروج لمكاسب مادية سهلة وسريعة تدعى بأنها ستجعل المتعامل مليونيراً خلال أشهر معدودة، ولكنها وهمية لا أساس لها، حيث إن أغلبها فخ للنصب والاحتيال بحسب مواطنين ومقيمين من الشباب، فيما أكد عدد من الخبراء التقنين لـ«الرؤية»، أن مثل هذه الإعلانات تهدف إلى عمليات نصب واحتيال متقنة تستهدف الشباب الحالم الراغب بربح سهل، وكذلك أولئك الذين تقطعت بهم السبل للعمل في وظيفة ما أو إعداد مشروع فلم تتح لهم الفرصة أو المهارة، وليس لديهم إلا المال، مشيرين إلى أن هناك ما يقارب 15 ألف موقع معروف يروج لمثل هذه الإعلانات، وتتراوح كلفة النشر على مواقع التواصل الاجتماعي للإعلان الواحد بين 3 دولارات وتصل إلى 5 دولارات يومياً، بينما تجلب مئات الملايين من الدولارات سنوياً للمعلنين.
حماية الشباب
من جانبها، أطلقت هيئة تنظيم الاتصالات حملة بعنوان «احذر أن تكون التالي» تستهدف حماية الشباب المستدرج عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وحماية المتضررين من الابتزاز، حيث تتم ملاحقة المبتزين في هذه القضايا في كافة دول العالم، وتصدر في حقهم نشرة طلب للإنتربول الدولي ومواد القانون الإماراتي «قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات» رادعة بما يكفي للحد من وقوع هذه الجرائم من المتهمين داخل الدولة.
ودعت من خلال الحملة إلى اتباع 3 طرق للوقاية وهي عدم الرضوخ للابتزاز، وعدم إرسال أي مبالغ مالية لأشخاص مجهولين، والحذر من التعامل مع المواقع غير المعروفة مصدرها أو غير الموثقة، فغالباً ما تكون بداية اصطياد الضحايا.
ضحية نصب
وقال مقيم في أبوظبي إيهاب سالم: «إن الشركة التي يعمل بها تعرضت لأزمة خلال فيروس كورونا، الأمر الذي عاد سلباً على الرواتب الشهرية، ودفعه للبحث عن مثل هذه الإعلانات لاستثمار المبلغ الذي ادخره خلال فترة عمله، وبالفعل قام بتحويل مبلغ بسيط بالدولار الأمريكي ليتأكد من صحة الإعلانات، ولكنه تفاجأ بأنه وقع ضحية نصب واحتيال، حيث إن جهة الإعلان امتنعت عن رد أصل المبلغ المدفوع دون أي ربح».
طموح المليونير
فيما أوضح مقيم في أبوظبي أحمد عاشور، أنه عندما رأى إعلان يدعى بأنه سيجعله مليونيراً خلال 6 أشهر، الأمر الذي أثار فضوله ودفعه للتجربة حيث قام بتحويل مبلغ وقدره 300 دولار على أمل أنهم سيردون له 5000 درهم نهاية الشهر، ولكنه لم يقدر أن يتحصل على درهم واحد من المبلغ المدفوع.
وأردف: «أن مثل هذه الإعلانات تلعب على بند الطمع لدى الجميع، متسائلاً ما هو الاستثمار الذي يمكن له أن يحقق هذه المبالغ الضخمة في تلك الفترة القصيرة؟».
مواقع مجهولة
وأكد مسؤول التواصل الرقمي في هيئة تنظيم الاتصالات ياسر بن محمد، أن القائمين على بث هذه الأعمال على مواقع التواصل الاجتماعي هم شركات التداول التي تستدرج الضحايا وتوهم بمكاسب غير معقولة لتحويل مبالغ مالية، ومن ثم المماطلة لعدة أشهر دون أي رد حتى تفقد الضحية الأمل في الاسترداد.
نصب واحتيال
وأعرب خبير تقنية المعلومات سامي عبدالنور، عن اعتقاده بأن هذه العمليات لا تستهدف اختراقاً أو انتهاكاً لخصوصية الحساب البنكي للشخص بقدر ما هي عملية نصب واحتيال متقنة تستهدف الحالمين الراغبين بربح سهل وهم نيام، وكذلك أولئك الذين تقطعت بهم السبل للعمل في وظيفة ما أو إعداد مشروع فلم تتح لهم الفرصة ولا المهارة، وليس لديهم إلا المال.
وأوضح أن أغلب الضحايا يتم التغرير بهم لإنفاق ما لديهم حتى لو كانت مبالغ ضئيلة على أمل أنهم سيحصلون على نتائج، وما ذلك إلا بيع للوهم.
وعن استثمار المبالغ المستقطعة من الضحايا، أفاد عبدالنور بأنه ليس هناك استثمار فعلي، وإنما يقوم المحتال بالحصول على تلك الأموال دون وجود لأي استثمار فعلي من الأساس، ولا يمكن لأحد أن يعلم ماذا سيفعل بتلك الأموال، حيث توجد احتمالات كثيرة، وأغلبها غير شرعي وغير قانوني، مشيراً إلى أن جميع الإعلانات ترسل إلى المهتمين بها، والمعلنون يستهدفون دول الخليج على وجه الخصوص، كما وأن بعض المعلنين يستهدفون العاطلين عن العمل، والبعض الآخر يستهدف من يقوم بالبحث عن «الاستثمار»، وتعزيز الدخل «وإنشاء المشاريع» و«التجارة» فيصلهم هذا الإعلان الذي يستهدفهم خصيصاً.
وكشف عن أن الكلفة المادية لطرح مثل هذه الإعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي تقدر بقرابة 12 مليون دولار سنوياً حول العالم، بينما تحقق أرباحاً من الضحايا تزيد على 3 أضعاف هذا المبلغ، موضحاً أن مكاسبها في أستراليا بلغت في عام 2019 أكثر من 76 مليون دولار، وفي عام 2020 بلغت 71 مليون دولار، و41 مليون دولار حتى الآن من العام الجاري 2021، بينما بلغت الأرباح خلال العام الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية 662 مليون دولار، وتشير هذه الأرقام إلى ما تم الإبلاغ عنه فقط.
وذكر أنه لا يوجد عدد تقديري لتلك المواقع، إذ يصعب إحصاؤها ومعظمها غير مدرج في أي قوائم ومعد للاحتيال والنصب السريع فقط، وأما المعروفة منها فتقدر بـ15 ألف موقع.
وعن مدى تأثير هذه الاعلانات على المجتمع، قال: «إن تأثيرها يبدأ بالضرر المالي الذي ينعكس بالسلب على حياة الإنسان واستقراره ومن ثم صحته النفسية والعقلية التي لا شك تتأثر تأثرا كبيرا عند فقدان أموال طائلة».
وأوضح أنه يجب التركيز على وعي الشباب حول عدم الاستثمار في أشياء مجهولة، وفي جهات غير موثوقة وغير معتمدة، مشيراً إلى أن الاستثمار يفضل أن يكون من جهات وصناديق معروفة داخل الدولة، مثل «شراع» مركز الشارقة لريادة الأعمال الذي يتخذ من الجامعة الأمريكية في الشارقة مقراً له، ويقوم بالجمع بين المستثمرين وبين رواد الأعمال، ويضمن حقوق الطرفين.
موقع معتمد
وأكد خبير تقنية معلومات حمدان محمد المهيري، أن الإعلانات هدفها الأول والأخير النصب والاحتيال والتلاعب بعقليات الشباب والمراهقين، مشيراً أن البيانات الشخصية المتداولة عبر هذه الإعلانات غير محمية ولا يمكن تأمينها بأي شكل من الأشكال، وتتضمن كافة المعلومات التي تسهل على إداراتها القيام بعملية الابتزاز.
ولفت إلى أن الكلفة المادية لوضع أي إعلان على تطبيق «الفيسبوك» على سبيل المثال تراوح بين 3 دولارات إلى 5 دولارات يومياً، ولا يتطلب إجراءات سوى إنشاء حساب يستغرق دقائق معدودة، ومن ثم الدفع لوضع الإعلان مع توفير إمكانية اختيار الدولة المراد الإعلان بها وأيضاً فئات معينة مستهدفة من المستخدمين.
وذكر أنه رغم حملات التوعية المستمرة بمخاطر جرائم الابتزاز الإلكتروني فإن هناك أسباباً وراء تكرارها، أبرزها إقبال الشباب على استخدام شبكات الإنترنت دون أن يتمتعوا بالدراية الكافية حول كيفية حماية أنفسهم من المخاطر الموجودة، وبحثاً عن المكاسب السهلة دون عناء أو منطق يفكرون به، مشيراً إلى أن المراهقين يتصدرون الشرائح الجديدة التي تنخرط في التعامل مع مثل هذه الإعلانات حيث يعدون صيداً سهلاً للمجرمين والمحتالين، لذا من الضروري أن تركز حملات التوعية على المدارس في المراحل التي تسبق الجامعة لأنهم مؤهلون ليصبحوا ضحايا محتملين.