قال الرئيس الأمريكي جو بايدن بعد أن قلبت الحرب الروسية في أوكرانيا الوضع الجيوسياسي العالمي رأساً على عقب: «سيكون هناك نظام عالمي جديد، وعلينا أن نقوده».
تماماً كما في عصر سبوتنيك وأبولو منذ أكثر من نصف قرن، يتسابق قادة العالم مرة أُخرى للهيمنة على الفضاء، لكن مع اختلاف واحد: ففي حين أن الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في السابق، وضعا مجموعة مشتركة من القواعد في الأمم المتحدة لتنظيم النشاط الفضائي، فإن القُوى العُظمى في العالم هذه المرة لا تستطيع حتى الاتفاق على المبادئ الأساسية للتحكم في الجيل القادم من هذا النشاط.
ويُعدُّ الافتقار إلى التعاون بين الولايات المتحدة والصين في مجال استكشاف الفضاء خطيراً بشكل خاص في عصر أصبح فيه الفضاء أكثر ازدحاماً.
وفي هذا الخصوص قال مالكولم ديفيس، المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأسترالية «الخطر الأكبر هو أن لديك مجموعتين متعارضتين من القواعد». «يمكن أن يكون لديك شركة صينية على سطح القمر في 2030 تطالب بأراضٍ بها موارد، بالطريقة ذاتها التي يطالب بها الصينيون بالهيمنة في بحر الصين الجنوبي بأكمله».
الجغرافيا السياسية للفضاء، التي جمعت المنافسين معاً من أجل مصلحة البشرية، تعكس الآن المنافسة على الأرض بين الولايات المتحدة وحلفائها ضد الصين وروسيا.
وحذّرت وسائل الإعلام الصينية من أن الولايات المتحدة تريد الآن إنشاء «الناتو الفضائي».
في قلب النزاع، هناك اتفاقيات أرتميس التي صاغتها الولايات المتحدة، وهي مجموعة مبادئ غير ملزمة قانونياً لتنظيم النشاط على القمر والمريخ وما وراءهما.
هذه المبادرة، التي تقول ناسا إنها تستند إلى معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967، تشكّل الأساس لجهود وكالة الفضاء لوضع رواد فضاء على سطح القمر هذا العقد وبدء عمليات التنقيب عن العناصر القمرية المُربحة.
ووافقت 19 دولة حتى الآن على دعم الاتفاقات، وآخرها رومانيا وكولومبيا والبحرين وسنغافورة.
وقادت الصين وروسيا معارضة الاتفاقات، وتعهدتا بتعاون فضائي أكبر في أوائل فبراير، كجزء من شراكة «بلا حدود» عندما زار بوتين الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في بكين قبل وقت قصير من بدء الحرب.
تتمثل إحدى المشكلات الرئيسية التي تواجهها الصين في اتفاقيات أرتميس في بند يسمح للدول بتعيين مناطق على القمر كـ«مناطق أمان» يجب على الآخرين تجنّبها. بالنسبة للأمريكيين وشركائهم في أرتميس، فإن المناطق الحصرية هي وسيلة للامتثال للالتزامات بموجب معاهدة الفضاء الخارجي، والتي تتطلب من الدول تجنّب «التدخل الضار» في الفضاء.
ومع ذلك، بالنسبة للصين، فإن مناطق الأمان عبارة عن عمليات استيلاء مقنعة على الأراضي في انتهاك للقانون الدولي. تريد بكين تسوية وضع أي قواعد في الأمم المتحدة، حيث يمكنها الاعتماد على الدعم من مجموعة أكبر من الدول المتلهفة لإقامة علاقات وديّة مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
لدى الصين سبب وجيه للشك في جهود أمريكا في الفضاء، فالتشريع الأمريكي الذي تمّ تمريره لأول مرة في عام 2011 يمنع وكالة ناسا من معظم التعاملات مع نظيرتها الصينية، كما منعت الولايات المتحدة الصين من المشاركة في محطة الفضاء الدولية - وهي خطوة دفعت بكين ببساطة إلى بناء خاصتها.
وقال مدير وكالة الفضاء الروسية روسكوزموس، دميتري روجوزين، في أواخر أبريل إن روسيا قررت الانسحاب من محطة الفضاء الدولية بسبب العقوبات الغربية المفروضة على روسيا جرّاء الحرب في أوكرانيا.
وبينما كان برنامج الفضاء الروسي في حالة تراجع بالفعل قبل الحرب، تتحرك الصين بسرعة نحو هدف الرئيس الصيني، المتمثل في منافسة أمريكا في الفضاء. أصبحت الصين أول دولة ترسل مسباراً إلى الجانب البعيد من القمر في عام 2019، وفي العام الماضي أصبحت ثاني دولة فقط بعد الولايات المتحدة تهبط بمركبة على سطح المريخ.
ونظراً لأن الولايات المتحدة والصين وروسيا ودول أُخرى تستهدف القمر، أصبحت الحاجة إلى وضع قواعد لتجنب الصراع أكثر إلحاحاً.
وستقوم شركة صناعة الصواريخ «سبيس إكس» التي يملكها إيلون ماسك بإجراء رحلة تجريبية من تكساس في الأشهر القليلة المقبلة عبر صاروخ ستارشيب الجديد للشركة، إذ تخطط شركة سبيس إكس لنقل البشر إلى القمر والمريخ.
اليابان وكوريا الجنوبية، الموقّعتان على اتفاقية أرتميس، تستعدان لمهمات قمرية أيضاً. وكذلك فعلت الهند، الدولة الآسيوية الأولى التي تصل إلى مدار المريخ، والدولة الأولى في العالم التي تقوم بهذا من المحاولة الأولى، ولم تلتزم بالفرق الأمريكية أو الصينية الروسية.
وعلى عكس الأرض، قد يحتوي القمر على كميات كبيرة من الهيليوم - 3، وهو نظير يحتمل أن يكون مفيداً كبديل لليورانيوم لمحطات الطاقة النووية لأنه ليس مشعّاً.
ويعتقد الخبراء أنه يمكن استبدال 5000 طن من الفحم بنحو ثلاث ملاعق كبيرة من الهيليوم -3.
ويمكن أن يثبت القمر أيضاً أهميته كمصدر للمياه، المأخوذة من الجليد في قطبَيْ القمر، لصنع وقود صاروخي يمكنه تشغيل البعثات إلى المريخ وأماكن أخرى في النظام الشمسي.
وفي الوقت الحالي، يبدو أن الولايات المتحدة تتقدم مع انضمام أعضاء جدد إلى اتفاقيات أرتميس، بينما لا تزال الصين تنتظر قائداً آخر إلى جانب بوتين للانضمام إلى محطة أبحاث القمر الدولية.
وعلى الرغم من أن الصين لا تحتاج إلى الخبرة الروسية، فإن حسابات الرئيس الصيني الاستراتيجية طويلة المدى تعني أن بكين من غير المرجح أن تتخلى عن موسكو في محاولة لكسب المزيد من الشركاء المحتملين.
التعدين على سطح القمر تعمل الحكومات والمستثمرون والشركات المملوكة للدول في عدة قارات على خطط لاستغلال موارد القمر التي كان من الصعب الوصول إليها في السابق.
التحديات التقنية كثيرة، لكن المشهد القانوني القاحل الذي يواجه كل من يحاول القيام بأعمال تجارية على القمر أمر مخيف. لا أحد يعرف على وجه اليقين ما إذا كانت مثل هذه المشاريع مسموح بها، ناهيك عن كيفية قيام الشركات المتنافسة بتأمين حقوق التعدين وإنفاذها.
في الوقت الحالي، سيخضع التعدين القمري لمعاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967، التي أبرمتها الولايات المتحدة وأكثر من 100 دولة أخرى. وقالت تلك المعاهدة إن الدول لها الحرية في استكشاف القمر والأجرام السماوية الأخرى. لكن المعاهدة قالت أيضاً إن الفضاء الخارجي «لا يخضع للتملك القومي بدعوى السيادة».
ومنحت الولايات المتحدة في عام 2015 عبر قانون لاستخراج «الموارد الفضائية» المواطنين الأمريكيين المشاركين في التعدين الفضائي والشركات الحق في «امتلاك ونقل واستخدام وبيع» الموارد المستخرجة من القمر أو الكويكبات.
تختلف الحكومات الدولية حول ما إذا كانت معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967 تسمح بالملكية الخاصة للمياه والموارد الأُخرى التي يتم حصادها من القمر.
يقول كريستوفر نيومان، أستاذ قانون الفضاء في جامعة نورثمبريا في نيوكاسل: «ما لدينا هو تقريباً حرب ضبابية حول هذا الأمر». «نحن لا نعرف تماماً كيف سيبدو التعدين على القمر».
وقال توم جيمس لدي شركة نافيتاس ريسورسز لاستشارات الطاقة: «تستثمر دول النفط في الشرق الأوسط في تكنولوجيا الأقمار الصناعية وتحاول تحويل اقتصاداتها المحلية إلى اقتصادات رقمية واقتصادات قائمة على المعرفة».
في غضون ذلك، برزت الصين كرقم صعب، وفي تصريحات رسمية، قالت بكين إنه يجب تقاسم ثمار التعدين في الفضاء بشكل منصف.
ويمكن أن تؤدي خطط الصين بشكل مباشر إلى قيام الشركات المملوكة للدولة بتجميع الموارد القمرية - وهذا يمكن أن يشكّل تعارضاً مع معاهدة الفضاء 1967، وفقاً لمايكل ليستنر، مستشار قانون الفضاء والمحامي في روتشستر.
روسيا، من جانبها، شكّكت في قانونية معاهدة أمريكا لعام 2015. وأكّدت روسيا في بيان رسمي للأمم المتحدة عام 2016 أن الرئيس أوباما، من خلال التوقيع عليه، أظهر «عدم احترام تام للقانون الدولي»، وتريد روسيا أن تتولى الأمم المتحدة مسؤولية وضع القواعد.
ولكن، على عكس نشاطها على كوكب الأرض، تتأخر روسيا في سوق التعدين في الفضاء، وقد يجعل نموها الاقتصادي البطيء من الصعب عليها اللحاق بالركب. ويعتقد العديد من الخبراء أن روسيا تحاول أن تكون شوكة في جهود التعدين في الفضاء من قبل الولايات المتحدة والصين كوسيلة لكسب النفوذ في مجالات أُخرى.
اليونان وبلجيكا أيضاً وقفتا ضد القانون الأمريكي، ويمكن أن تأتي المقاومة أيضاً من 15 دولة - بما في ذلك فرنسا والهند وتركيا والبرازيل وأستراليا - التي صدقت أو انضمت في عام 1979 إلى المعاهدة الدولية المعروفة باسم اتفاقية القمر، وهي معاهدة لم توقعها الولايات المتحدة.
اتفاقية القمر هي الجانب الآخر من قانون الولايات المتحدة لعام 2015، مع أهداف يتم إعادة توزيعها بشكل صريحا، إذ يحظر القانون الاستغلال التجاري لموارد القمر، ويعلن القمر «تراثاً مشتركاً للبشرية»، بالطريقة نفسها التي يتعامل بها القانون الدولي مع قاع البحار العميقة.
وأعلن رئيس قسم دراسة القمر والكواكب في معهد شتامبرغ الروسي الدكتور فلاديسلاف شفتشنكو، أنه قد تصبح عملية نقل عينات المعادن النادرة من القمر إلى الأرض ذات نفعية من الناحية الاقتصادية.
وقال: «يمكن أن نعثر على سطح القمر على كميات كبيرة من المعادن النادرة مثل الليتيوم والبلاتين والنيكل والذهب. وأن تلك المعادن ظهرت على سطح القمر جرّاء سقوط كويكبات غنية بالثروات الطبيعية كانت تحلق بسرعة منخفضة تعادل 12 كيلومتراً في الثانية قبل اصطدامها بسطح القمر. ولم تتبخر تلك المعادن نتيجة انفجار الكويكبات، بل إنها تحطمت، فبقيت شظاياها راقدة في داخل «الحفر القمرية»، علماً بأن سعر الليتيوم في السوق يبلغ بضعة آلاف الدولارات مقابل الكيلوغرام الواحد.