السبت - 23 نوفمبر 2024
السبت - 23 نوفمبر 2024

وزير مالية مصر الأسبق لـ: «الركود التضخمي» هو الخطر المقبل وآثاره تطال الدخل والعمالة

وزير مالية مصر الأسبق لـ: «الركود التضخمي» هو الخطر المقبل وآثاره تطال الدخل والعمالة



أفاد وزير المالية المصري الأسبق، والمستشار الاقتصادي للمجلس الأعلى للتخطيط بسلطنة عمان، أستاذ الاقتصاد في جامعات: القاهرة، وأوكسفورد، والجامعة الأمريكية بمصر، الدكتور سمير رضوان، بأن الركود التضخمي يشكل الخطر الأكبر المقبل على مستقبلنا وعلى الاقتصاد العالمي، مشيراً إلى أن آثاره الاجتماعية ستكون كبيرة وسيتضرر منها العمالة والدخول والنشاط الاقتصادي عموماً.

ودعا رضوان، في حوار مع «الرؤية»، دول الخليج إلى التمسك بالوحدة، التي تشكل نموذجاً يحتذى في المنطقة والعالم، محذراً من دعاة التفكيك والفرقة والخلاف.

وأكد رضوان أن الاستثمارات العربية مقبلة على مصر، لا سيما في ظل الإصلاحات الكبيرة التي جري تنفيذها خلال الأعوام الماضية، لافتاً إلى أن إحداث مزيد من التطوير في السياسات الاقتصادية وتأسيس هوية اقتصادية موحدة في مصر، من شأنه تعزيز جاذبية البلاد للمزيد من الاستثمار.

النظرة التشاؤمية لأوضاع الاقتصاد في العالم غالبة على المؤسسات الدولية، كيف ترى الأمر؟

الأهم من التفاؤل أو التشاؤم، أن نعي وأن نستعد، لقد تضافرت بالفعل عوامل عدة، أبرزها تداعيات «كوفيد-19» وأزمة أوكرانيا والتنافس أو الصراع بين أمريكا والصين، وعسكرة المصالح الاقتصادية، والاستخدام المفرط للغاية لسلاح العقوبات، ما أدى إلى تأزيم الوضع الاقتصادي العالمي، وإلى حدوث انقلابات في الأسواق، مع إعادة تقسيم العمل والتخصصات، فمثلاً من ينتج الأدوية والأمصال يربح، ومن يحتكر الإعلام يربح، بينما يضرب الكساد قطاعات أخرى، وتعاظم تفاوت توزيع الدخل بين الدول، وداخل الدولة الواحدة، وكل ذلك يحتم أن نتحلى كعرب بأعلى يقظة ومرونة وفاعلية للدفاع عن مصالحنا وحمايتها وتأمين استقرار مجتمعاتنا.

ما أبرز ما يجب أن نأخذه في الحسبان في ضوء كل ذلك؟

إن النظام الاقتصادي العالمي، وبكل أوضاعه المشار إليها، يؤدي إلى استقطاب شديد جداً في توزيع الدخل، ويترتب على ذلك أن الإنفاق، الذي هو محرك جوهري للنمو، يقل، لأن الأغنياء جداً مهما أنفقوا فلن يعوضوا استهلاكات مليارات البشر، وهذا يعني أزمة في الاقتصاد الحقيقي، ومن نتيجتها الواضحة جداً التضخم الذي يلهب ظهور وجيوب الجميع تقريباً.

التضخم في منطقة اليورو بلغ في أبريل 7.5%، وفي إسبانيا 8.5%، ومثلها أمريكا، وفي هولندا 9.7%، وفى روسيا 16.7%، وفي مصر فوق 14% في أبريل المنقضي، ويؤثر التضخم بشكل خاص في أصحاب الدخول الثابتة أو الضعيفة، لذا كثر الحديث عن مخاوف من اضطرابات اجتماعية في مناطق كثيرة، ونحن لا نتحدث عن دول عربية أو في العالم الثالث فقط، فقد رأينا معدلات الفقر تزيد لأول مرة في إنجلترا، وهذا تحدٍّ يتطلب ألّا نغفل عنه أبداً.

ما سبل مواجهة التضخم إذَن؟

كما شاهدنا فقد رفع الفيدرالي الأمريكي الفائدة 50 نقطة أساس مع توجه للرفع المتتالي في الأشهر المقبلة، وتبعته بدرجات متفاوتة بنوك مركزية عدة في العالم وفي الخليج، ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى انسحاب رؤوس الأموال من دول، كما حدث مع مصر، حيث خرج 17 مليار دولار من الأموال الساخنة يوم 25 فبرابر الماضي، ورفع كلفة الاقتراض الجديد وعبء الديون القائمة، ويحدث ذلك على خلفية صراع مكشوف حول مكانة الدولار كعملة احتياط عالمية مهيمنة، وهو صراع يزيد من عنف ردود الأفعال الأمريكية تجاه قضايا مثل أوكرانيا والتجارة والاستثمار مع الصين، وفي المحصلة، يدخل العالم في خطر داهم اسمه «الركود التضخمي»، وأخطر آثاره هو الاستغناء عن العمالة، أو تقليصها، وقد شهدنا ذلك يحدث في شركات عالمية كبرى، فما بالك بالأصغر حجماً والأقل قدرة، وهكذا تتضاعف المخاطر الاجتماعية، ما يعيدني إلى التأكيد السابق: لا بد من يقظة ووعي ومرونة عالية جداً وفاعلية لنحافظ على سلامة وأمان دولنا.

من المعروف أن الحصول على تمويل من صندوق النقد الدولي يرتبط بتنفيذ الدول مجموعة من الشروط والإملاءات، متى يجب أن تقول أي دولة «لا» للجوء إلى صندوق النقد الدولي؟

في تجربتي كوزير كانت اللاءات واضحة، أول «لا» هي لا لتدخلهم في الناحية الاجتماعية، والثانية لا لتدخلهم في الأجور، عادة أول بند يطلبه صندوق النقد خفض الإنفاق على الأجور، وتلك سياسة فاشلة، وتؤدي إلى تراجع الاستهلاك، ومن ثم انكماش الاقتصاد، كما تؤدي إلى كراهية المجتمع لبرامج الإصلاح الاقتصادي، الشيء الثالث أننا كنا واضحين جداً في حدود الإفصاحات، ونرفض أن يدخل الصندوق في بطن البنك المركزي، وقال لهم الدكتور فاروق العقدة (محافظ المصرف المركزي في فترة وزارتي عام 2011) بكل وضوح، سنطلعكم على كذا وكذا، ولن نطلعكم على كذا وكذا.

كما يقال دائماً فكل أزمة تخلق فرصاً مثلما تخلق تحديات، كيف يقتنص العالم العربي الفرص الكامنة؟

الدول العربية تنقسم اقتصادياً بشكل بسيط إلى دول غنية كالخليج، وأخرى ذات تنوع اقتصادي أوسع بطبيعتها كمصر والعراق، وفقيرة أو فقيرة وبها صراعات كالسودان والصومال. وفي كل مجموعة فإن نموذج التنمية يحتاج إلى تغيير.

صحيح أن دول الخليج وعت مبكراً أهمية تنويع اقتصادها، لكن عليها بذل جهد أكبر في تنويع مصادر الدخل وليس الإنتاج فقط، وفي ربط التنويع بتنمية القوى البشرية، وإلا فهناك تنويع يمكن أن يقود إلى مزيد من استيراد العمالة الآسيوية.

ما الذي يلزم أيضاً لدول الخليج لتغيير النموذج التنموي؟

دول الخليج مطالبة بالتمسك بتجربة مجلس التعاون الخليجي، وأن يعوا أن هناك من يسعى لتفكيك نموذج الاندماج، الذي يمكن أن يقود إليه مثل هذا المجلس.

لا مناص لهم عن كيان كبير يضم تلك الدول، خصوصاً أن التجانس الاقتصادي بينهم كبير، والروابط الاقتصادية بل العائلية والثقافية ممتدة، وهم تجنبوا بوعي خطأ تجربة اندماج مصر وسوريا الذي تم سياسياً وفوقياً ثم فشل، وعملوا وما زالوا على تحقيق اندماج اقتصادي تراكمي.

ترى ما أهم ما يتطلبه جذب وتشجيع الاستثمار الخاص بأنواعه في مصر؟

أولاً نحن بحاجة إلى مزيد من الاتساق في السياسات، خصوصاً بين السياستين المالية والنقدية، وتحديد هوية الاقتصاد بعيداً عن التذبذبات، وقد أسعدني توجيه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لحكومته للانتهاء من وثيقة تحديد الأدوار بين العام والخاص، وإعلانها، وتجب المسارعة إلى إنشاء مجلس أعلى للسياسة الاقتصادية، على غرار تجربة مهاتير محمد في ماليزيا، أو تأسيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي على غرار تجربة فرنسا وهولندا وجنوب أفريقيا والسويد، على أن يستعين بأرفع الكفاءات العالمية كل في مجاله، زراعة، صناعة، نقل، تكنولوجيا، اتصالات.

وأخيراً، فإن هناك إصلاح التشريعات، وكنت أسست في فترة وزارتي مبادرة (إرادة) للإصلاح التشريعي (لا تزال قائمة لكن وتيرة عملها تباطأت)، وكانت قاعدة عملها مستقاة من تجربة كوريا الجنوبية وتايلاند، وهي قاعدة تسمى «المقصلة»، وفيها يتم تمرير أي تشريع قائم أو قديم على 3 «مقاصل»، أولها هل يتعارض مع الدستور؟ ثم هل يفتقر لتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي؟ وثالثاً: هل يضر بالسلم الاجتماعي؟ فلو كانت الإجابة نعم في أي من المراحل الثلاث يتم إلغاء التشريع، وبهذا تخلصوا من كم ضخم من القوانين، واستحدثوا قواعد بسيطة وواضحة وعملية، وقد ترتب على هذا الإصلاح بعد تطبيقه بكوريا قفزة ضخمة في معدلات الاستثمار والنمو.

هل هناك ما يمكن عمله للاستثمارات العربية بوجه خاص، خصوصاً على خلفية الإعلان عن استثمارات إماراتية وسعودية وقطرية ضخمة بمصر؟

ألقيت ورقة بحثية عن مستقبل الاقتصاد المصري منذ فترة ليست ببعيدة في مركز دراسات الخليج بالإمارات، بعدها عقب أحد الحضور الكرام بالقول إن الكلام جميل جداً، لكن يبقى سؤال ما الذي يدفع رأس المال العربي للذهاب إلى مصر وليس غيرها؟ فكان جوهر إجابتي أن الحيز يضيق على الأموال العربية خارجياً، وأن المخاطر تزيد، لكن مصر بها فرص أرحب، وبها مخاطر أيضاً لكنها من النوع الذي يمكن أن تغطيه مثلاً بوثيقة تأمين ليس أكثر.

وفى اعتقادي أن المستثمرين العرب سيقبلون على مصر أكثر في الفترة المقبلة، وكل المطلوب هو التخاطب معهم عبر مختصين بالملف، وبالطريقة التي تناسبهم، طبعاً في إطار القواعد والقوانين ذاتها التي تنطبق على الكل، وتقديم الفرصة وما تنطوي عليه من منفعة متبادلة بشكل متكامل.