ألحق الصراع الروسي الأوكراني أضراراً باقتصادي البلدين اللذين اتّبعت السلطات فيهما تكتيكات مختلفة لدعم العملة الوطنية المتراجعة قيمتها، وقد حقّقت تلك المقاربات نجاحات متفاوتة.
وقبل بدء الصراع في فبراير كان سعر صرف الروبل الروسي نحو 80 مقابل الدولار، لكنّه فقد 40% من قيمته في الأيام التي تلت الهجوم متراجعاً إلى مستوى غير مسبوق بلغ 150 روبلا للدولار الواحد.
إلا أن العملة الوطنية الروسية عادت وعوّضت بعضاً من خسائرها لتسجل نحو 105 روبلات للدولار الواحد، مستفيدة على ما يبدو من المحادثات الجارية بين موسكو وكييف لوضع حد للنزاع.
وعلى الرغم من حرمانه من غالبية احتياطاته بالعملات الأجنبية من جراء العقوبات الغربية، تمكّن المصرف المركزي الروسي من بيع جزء من هذه الاحتياطات لدعم الروبل.
ويبدو أن هذه التدابير التي يضاف إليها ضبط الرساميل الذي يفرض على الجهات المستوردة بيع غالبية ما لديها من العملات الأجنبية للمصرف المركزي ويحد من إمكانية استفادة المستهلكين من أصولهم، تؤتي ثمارها.
وقال الخبير ألكسندر كودرين في مصرف أتون للاستثمار إن «المصرف المركزي الروسي لم يتدخّل في السنوات العشر الماضية بشكل مباشر إلا في حالات قليلة»، مشيراً إلى أن تدخّله «يصب حالياً في مصلحة إرساء الاستقرار في سوق الصرف».
وأضاف: «بدأ يظهر أول المؤشرات التي تدل على الاستقرار».
ومؤخراً أطلق خبير الاقتصاد الروسي في «مؤسسة العلم والسياسة» (اس.دبليو.بي) في برلين تغريدة جاء فيها أن الروبل يكتسب قوة بفضل الضوابط الصارمة المفروضة على الرساميل والعائدات الكبيرة للنفط والغاز بعد «الصدمة» الأولية للعقوبات.
وفي أوكرانيا حيث تفرض السلطات الأحكام العرفية، علّق المصرف المركزي كل عمليات التداول بالعملات وحدد سعراً للصرف عند 29 هريفنيا للدولار الواحد.
وكذلك حظر المركزي الأوكراني عمليات السحب بالعملات الأجنبية وغالبية عمليات الدفع عبر الحدود.
وقال مدير السياسة المالية في المصرف المركزي الأوكراني فولوديمير ليبوشينسكي إن المسؤولين كانوا قد أعدوا خطة تحسباً لاندلاع النزاع.
وتابع: «كنا نأمل ألّا نضطر لتطبيقها، لكننا كنا مستعدين».
وأضاف ليبوشينسكي: «بفضل خبرة العمل في ظل قيود إدارية، كنا ندرك بكل وضوح ما يتعين القيام به لتجنّب زعزعة استقرار القطاع المالي ولضمان تشغيله بشكل فاعل في تلك الظروف».
مخاطر السوق السوداء
ومؤخراً قال وزير المالية سيرغي مارتشنكو في تصريح للتلفزيون الأوكراني إن تدابير المصرف المركزي أوجدت «ظروفاً نشهد حالياً بموجبها استقراراً لسعر الصرف».
وهو أشار أيضاً إلى أن أوكرانيا تلّقت دعماً من شركائها الدوليين بما فيهم الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، مشيراً أيضاً إلى أن صندوق النقد الدولي وافق على برنامج للمساعدات الطارئة لأوكرانيا بقيمة 1,4 مليار دولار.
وحذّر المحاضر في كلية لندن للاقتصاد عثمان ماندنغ من أن التدابير وإن كانت الظروف تبرّرها تنطوي على بعض المخاطر.
وقال عثمان ماندنغ في تصريح لفرانس برس إن «تعليق التداول بالعملات الأجنبية يوازي في الواقع تجميد الأسعار و... في حال بقي مفروضاً لفترات طويلة يمكن أن يؤدي إلى قيام سوق سوداء للعملات الأجنبية».
وتابع: «إن استئناف التداول بالعملات الأجنبية... سيكون مرغوباً للتخفيف من وطأة التشوهات الضمنية»، مشيراً إلى أن المصرف المركزي الأوكراني كان قد خفّف بعض القيود، كما يبدو أن بعض عمليات صرف العملات الأجنبية بين المصارف بدأت تستأنف ببطء.
وقال ليبوشينسكي إن المصرف المركزي يسعى إلى تخفيف القيود ما إن يرى مجالاً لاتّخاذ خطوة كهذه.
وأضاف: «بعد تحرير أوكرانيا من الغزاة الروس وعودة الأوضاع الاقتصادية إلى طبيعتها، سنستأنف كل عمليات صرف العملات الأجنبية وسنرفع القيود المفروضة على العملة ونعيدها إلى مستويات ما قبل الحرب في أقرب وقت ممكن».
كذلك أشار ماندنغ إلى أن احتياطيات أوكرانيا من العملات الأجنبية كان يقدّر بنحو 28 مليار دولار في بداية الشهر.
وتابع: «من شأن هذا الأمر أن يعكس بعض الارتياح في المدى القصير لكن لاحقاً قد تكون هناك ضرورة لتجديده».
ويواجه الأوكرانيون الذين يغادرون البلاد هربا من المعارك وبحوزتهم مبالغ مالية بالعملة المحلية مشكلات كثيرة بسبب التعقيدات القائمة على صعيد صرف عملتهم.
ومؤخراً قال نائب رئيس المفوضية الأوروبية فالديس دومبروفسكيس إن المفوضية تعمل مع المصرف المركزي الأوروبي من أجل مساعدة الأفراد في تحويل ولو قسم من مدّخراتهم بالهريفنيا إلى اليورو.