ذكر تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية أن ارتفاع أسعار النفط لأعلى مستوى منذ الأزمة المالية لعام 2008، يعد ضربة قوية للاقتصاد العالمي، مما يؤدي إلى إبطاء التعافي الاقتصادي في أوروبا، ويصعب مكافحة التضخم في أمريكا.
ويرى المحللون الاقتصاديون، أن الصين التي تعتبر أكبر مستورد للنفط في العالم، ستكافح للوصول إلى هدف النمو الاقتصادي لهذا العام، بينما ستواجه البلدان النامية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط خطر الاضطرابات الاجتماعية بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة والغذاء.
وأشار التقرير، إلى أن انقطاع شحنات النفط الروسية، بما في ذلك حظر الاستيراد الأمريكي، تعد أكبر اضطرابات الإمدادات منذ الحرب العالمية الثانية، وفقاً لخبراء بنك غولدمان ساكس الأمريكي.
ومع عدم وجود أي إشارة على زيادة إنتاج النفط على المدى القصير من قبل المنتجين الرئيسيين، وصل سعر برميل خام برنت والذي يصنف كمعيار عالمي لأسعار النفط، إلى 128 دولاراً في وقت سابق هذا الأسبوع مسجلاً ارتفاعاً بنحو 65% منذ يناير.
وبالمستويات الحالية يمكن أن تخفض أسعار النفط نقطة مئوية كاملة من معدلات النمو الاقتصادي في الدول الرئيسية المستوردة للنفط كالصين وإندونيسيا وجنوب أفريقيا وتركيا وفقاً لتقديرات البنك الدولي.
وبالنسبة لجنوب أفريقيا وتركيا سيؤدي ذلك إلى خفض تقديرات النمو قبل الحرب إلى النصف، بينما ستشهد الصين وإندونيسيا انخفاضاً متوقعاً في النمو إلى حولي 4%.
وستكافح الحكومات في دول مثل الأردن ولبنان وتونس التي تحمي المستهلكين من خلال دعم أسعار الكهرباء لتحمل التكاليف المتصاعدة.
وفي يناير الماضي حذرت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني من أن الجهود المبذولة لخفض دعم الوقود والمرافق قد تؤدي إلى عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي في عدد من الدول النامية.
ومن المحتمل أن تؤدي احتمالية بقاء أسعار النفط مرتفعة إلى إعادة تشكيل الإنفاق الاستهلاكي والتأثير على الأسواق المالية وإرهاق الميزانيات الحكومية في عشرات البلدان.
وقال نيل شيرينج كبير الاقتصاديين في كابيتال إيكونوميكس، إن الوضع العالمي بشكل عام سيبدو كئيباً للغاية.
ويؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى إعادة توزيع الدخل بشكل فِعلي من الدول المستهلكة للنفط في أوروبا والصين إلى المنتجين الأساسيين.
وفي حال استمرار القفزة السعرية في أسعار النفط لمدة عام، سيتحول أكثر من تريليون دولار من الدول المستهلكة إلى الدول المنتجة، وهذا الرقم لا يشمل المنتجات البترولية كالديزل أو البنزين أو زيت الوقود.
وعلى الرغم من أن روسيا تمثل 2% فقط من الاقتصاد العالمي، إلا أنها لاعب رئيسي في أسواق الطاقة العالمية، وتوفر الآبار الروسية 11% من استهلاك النفط العالمي، و17% من استخدام الغاز الطبيعي وفقاً لغولدمان ساكس.
وتعتبر خطوط أنابيب الغاز الروسية بالغة الأهمية بالنسبة للاقتصاد الأوروبي، حيث تلبي 40% من الاحتياجات الأوروبية، ويتدفق النفط الروسي إلى مصافي بولندا وألمانيا والمجر وسلوفاكيا.
وقال خبراء غولدمان ساكس أنه نتيجةً لذلك فإن تضرر النمو من ارتفاع أسعار النفط والغاز سيكون 4 أضعاف في أوروبا مقارنة بأمريكا.
وقال الاقتصاديون إن النمو المستمر في أمريكا والصين والهند، والذي يمثل ما يقارب نصف الإنتاج العالمي، يجب أن يكون كافياً في الوقت الحالي للاقتصاد العالمي لتجنب الركود التام.
وعلى الرغم من عدم اتخاذ أي إجراءات حكومية بشأن النفط الروسي، إلا أن شركات النفط الأساسية تتجنب التعامل مع النفط الروسي.
ويمكن أن تؤدي هذه العقوبات الذاتية، إلى إبطاء 3 – 4 ملايين برميل يومياً من النفط الروسي، أي ما يقترب من 70% من إجمالي صادرات البلاد من النفط الخام، وفقاً لمعهد أكسفورد لدراسات الطاقة.
قد يؤدي إبقاء هذا القدر الكبير من المعروض خارج السوق إلى إضافة 25 دولاراً إلى تكلفة برميل النفط.
وأوضح التقرير أن هناك احتمالاً ضئيلاً لاستبدال النفط الروسي في حال دخول صادرات النفط الإيراني للسوق بعد رفع العقوبات في حال التوصل إلى اتفاق بشأن الاتفاق النووي.
وتعد احتمالات ارتفاع الإنتاج الأمريكي محدودة على المدى القريب، وارتفع عدد منصات النفط في الخدمة بشكل كبير خلال العام الماضي، وعلى الرغم من ذلك لا يزال أقل بمقدار الربع تقريباً من مستويات ما قبل الوباء.
أوروبا الأكثر تضرراً
أقرَّ البنك المركزي الأوروبي يوم الخميس أن الحرب الروسية على أوكرانيا، سيكون لها تأثير كبير على اقتصاد منطقة اليورو، وخفَض المركزي توقعاته للنمو لعام 2022 بمقدار نصف نقطة مئوية لتصبح 3.7%.
وتوقع الخبراء في بنك جولدمان ساكس، أن إنتاج منطقة اليورو سينكمش في الربع الثاني.
وقال إريك فينوغراد كبير الاقتصاديين في ألاينس بيرنشتاين، أن فرص ركود الاقتصاد أكثر من 50%، ويرى آخرون أن تكاليف الطاقة المرتفعة ستدفع أوروبا إلى حافة الهاوية.
وعادة ما تقاوم البنوك المركزية الرد على تحركات أسعار النفط، معتبرة إياها تأثيراً مؤقتاً على مستويات الأسعار، ولكن مع ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوى له منذ 40 عاماً ليصل إلى 7.9%، وتشديد ظروف سوق العمل، فإن جميع الإشارات تؤكد قيام الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة.
وقال خبراء جولدمان ساكس في وقت سابق إن ارتفاع أسعار النفط قد يتسبب في تحرك مجلس الاحتياطي الفيدرالي بشكل أقل حدة في حملته لرفع أسعار الفائدة.
وقد تكون عملية التوازن أكثر صرامة في أوروبا، حيث بدأ الاقتصاد العام بزخم أقل، ومع ذلك بلغ تضخم أسعار المستهلكين أعلى مستوياته بإدخال عملة اليورو.
وبلغ معدل التضخم في منطقة اليورو 5.8% الشهر الماضي، وتمثل الحرب في أوكرانيا خطر ارتفاع كبير لاستقرار الأسعار حسبما صرحت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد.
وقامت البنوك المركزية في العديد من الأسواق الناشئة بما في ذلك روسيا والبرازيل والمكسيك وباكستان والمجر برفع سعر الفائدة في الأشهر الأخيرة، ولكن مع بدء الاحتياطي الفيدرالي بالتشديد، سيتعرض العديد منهم لضغوط للعمل مرة أخرى لإبطاء النشاط الاقتصادي.