قال خبراء لـ«الرؤية»، إن أسواق المال العالمية أصبحت تعاني من تراجع شهية المخاطرة بالأصول التي تحمل مخاطر كبيرة، وسط تزايد تداعيات العمليات العسكرية الروسية بأوكرانيا، ما ينبئ باستمرارها بالتراجع الحاد خلال الأسبوع القادم ما لم يحدث هناك أي نوع من التهدئة بين البلدين.
وهبطت أغلب الأسواق العالمية بشكل حاد مع نهاية تعاملات الأسبوع، مع تزايد القلق من مستجدات الصراع في أوروبا الشرقية وتأثيره على الأسواق العالمية، هبط مؤشر «كاك»الفرنسي 10.22%، وهبط «داكس» الألماني بنسبة 10.09%، ونزل «فوتسي 100» البريطاني بنسبة 6.7% وتراجع مؤشر «ستوكس يوروب 600» بنحو 7%. وفي اليابان، تراجع مؤشر نيكي 1.85%، وهبط «توبكس» الأوسع نطاقاً بنسبة 1.67%.
وجاءت شهية المخاطرة في أسواق السلع والمعادن اليوم منخفضة بشكل بارز، لتعكس خطورة الوضع السياسي العالمي نتيجة آخر تطورات الأزمة بين روسيا و أوكرانيا، وما لها من تداعيات اقتصادية مهددة على العالم كله. حيث هددت الأزمة الروسية الأوكرانية تصعيداً جديداً بعدما نجحت موسكو في السيطرة على مصنع «زابوريزهزهيا» النووي الأوكراني وهو الأكبر من نوعه في أوروبا، فيما اندلع حريق في منشأة تدريب داخل المحطة النووية بعد الهجوم، وسط تأكيدات من جانب المسؤولين الأوكرانيين بأن الوضع آمن في الوقت الحالي. يشار إلى أن مؤشرات الأسهم الأمريكية تتجه لتسجيل التراجع الأسبوعي الرابع على التوالي على وقع تصاعد تلك الأزمة.
من جانبه، أكد عاصم منصور كبير استراتيجيي الأسواق في شركة «أوربكس»، أن الأسواق شهدت تقلبات قوية مع استمرار التصعيد العسكري في أوكرانيا، ولكن أكثر الأسواق التي ستتأثر هي الأسواق الناشئة، والتي ستشهد هروب رؤوس الأموال إلى أسواق أكثر أماناً، مثل أسواق الاقتصادات المتقدمة، خاصة مع اتجاه أغلب البنوك المركزية إلى تشديد السياسة النقدية.
وأوضح أنه مع إعلان السوق الروسي سوقاً مستقلاً وأنه غير قابل للاستثمار كجزء من العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا وإخراجه من مؤشر الأسواق الناشئة MSCI، فإنه من المتوقع أن تتأثر أسواق ناشئة أخرى لها صلة بالتعاملات مع السوق الروسي.
وأشار إلى أن هناك أنباء تشير إلى نية إزالة مؤشرات الشركات الروسية من مؤشر الداو جونز ومؤشر «ستاندرد 500» S&P 500، ولهذا من المتوقع أن يكون هناك تأثير غير مباشر على أداء المؤشرات الرئيسية.
وأكد أن الشركات العاملة في القطاعات النفطية ستستفيد بعد ارتفاع أسعار النفط إلى أعلى مستوى لها منذ 2008، والاقتصادات التي تعتمد على الصادرات السلعية والتي ستشهد ارتفاعاً قوياً في أسعارها، وبالتالي تحسن الفائض التجاري لديها.
وأوضح أن الذهب يحافظ على مكاسبه قرابة مستويات 1950 دولاراً للأونصة، ومن المتوقع أن يستفيد بشكل كبير من تسارع معدلات التضخم خلال الفترة المقبلة واتجاه المستثمرين إلى الملاذات الآمنة.
وأشار إلى أن الأزمة الروسية المتفاقمة قد تكون سبباً رئيسياً في عودة أسعار البلاديوم والذهب لمستويات قياسية، إضافة لعودة مؤشر الدولار الأمريكي إلى أعلى مستوياته منذ 30 يونيو 2020. أيضاً، وزيادة جديدة لسعر برميل النفط الذي بلغ أعلى مستوياته للمرة الأولى منذ عام 2014 في ضوء المخاوف من انقطاع الإمدادات.
بدوره، يعتقد رئيس قسم الأبحاث لدى شركة «إيكويتي جروب»، رائد خضر، أن إذا ما استمرت تداعيات التوترات الجيوسياسية على الأسواق المالية، وتحديداً استمرار ارتفاع أسعار الطاقة، فقد يؤدي ذلك إلى دفع الاقتصاد العالمي إلى ركود من جديد في غضون 3 سنوات، وبالتالي سيؤثر ذلك سلباً على أسواق المال العالمية بشكل قاسٍ، حيث إنها كانت تنتظر التصحيح الفني من قبل.
وأكد أن الصراع الدائر حالياً في شرق أوروبا بين روسيا وأوكرانيا قوّض الآمال في انتعاش اقتصادي عالمي من تداعيات انتشار جائحة كورونا على الأقل على المدى القصير، حيث من المتوقع أن تؤجج تلك التوترات من الأزمة المتفاقمة بالفعل جراء ارتفاعات التضخم واختناقات سلاسل التوريد.
وأوضح أنه سيكون على صنّاع السياسة النقدية تحدٍ كبير متمثل في الحفاظ على استقرار الأسعار، وكذلك الحفاظ على نمو اقتصاداتهم، وقد يؤدي الصراع الروسي مع أوكرانيا إلى إعادة التفكير في الأمر. وتنتظر الأسواق الشهر القادم اجتماع الفيدرالي ونتائجه، وذلك بعد أن سعرت بالفعل رفع الفائدة أكثر من 3 مرات هذا العام.