ذكر تقرير لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية التداعيات الاقتصادية للتوترات الجيوسياسية بين روسيا وأوكرانيا، وأشار التقرير إلى أن الحرب بين الدولتين قد تؤدي إلى خطر انهيار أسواق السلع.
وتعتبر كل من روسيا وأوكرانيا مصدرين مهمين للحبوب، حيث يمثلان ما يقارب ثلث المخزون التجاري من القمح في العالم، وأدت الحرب بين الدولتين والعقوبات على روسيا إلى ارتفاع أسعار القمح لمستوى قياسي.
وأشار التقرير إلى أن استمرار تصدير الحبوب من البحر الأسود يعد مهماً للغاية بالنسبة للسوق العالمية.
وليست الحبوب فقط، حيث قفزت أسعار الألمنيوم إلى مستوى قياسي يقارب 3475 دولاراً للطن، وهو ما يعكس جزئياً أن روسيا هي ثاني أكبر مصدر للألمنيوم.
وأوضح التقرير إلى أن ارتفاع القمح وصل لنسبة 51%، وأسعار جملة الغاز في أوروبا ارتفعت بنسبة 600% خلال الـ12 شهراً الماضية.
وألقت الأزمة الأوكرانية الروسية بظلالها على قطاع السلع بسبب صعوبة تجاهل خطوط الصدع الجيوسياسية التي تمر عبر العديد من أسواق المواد الخام الرئيسية.
وقد يتسبب الصراع بين الدولتين والعقوبات المفروضة على روسيا في اضطراب عدد من الأسواق خاصة سوق القمح، بالإضافة إلى ارتفاع كلفة الطاقة الذي بدوره له العديد من الآثار على أسواق السلع الأخرى بما في ذلك كلفة الأسمدة الزراعية.
ويتزايد قلق تجار السلع الأساسية ومديري المشتريات بشأن الطريقة التي يمكن بها استخدام العديد من المواد الخام كأسلحة للسياسة الخارجية، وخاصة في حال اندلاع حرب باردة جديدة تقسم روسيا وربما الصين عن الغرب.
وأشار التقرير إلى أنه خلال معظم العقود الثلاثة الماضية، كانت صناعة السلع الأساسية واحدة من أبرز الأمثلة على العولمة التي صنعت العديد من الأثرياء من مشترين وبائعين للمواد الخام.
وأوضحت الصحيفة أنه خلال العاميين الماضيين حدث حدثان منفصلان سلطا الضوء على مخاطر الاعتماد على عدد قليل من البلدان أو الشركات ما أدى بدوره إلى اضطرابات شديدة في سلسلة التوريد.
وسلطت أزمة روسيا وأوكرانيا الضوء على أهمية التفكير بكيفية ممارسات بعض البلدان الأكثر تأثيراً على إمدادات المواد الخام بفضل حصتها الكبيرة في السوق من السلع الحيوية.
وبالإضافة إلى كونها المورد الرئيسي للغاز في أوروبا، تعتبر روسيا مهيمنة أيضاً في أسواق عدد من السلع المهمة الأخرى، مثل النفط، والقمح، والألمنيوم، والبلاديوم.
وكانت استجابة الشركات والحكومات لحرب أوكرانيا استجابة قصيرة المدى عن طريق زيادة مخزونات المواد الخام المهمة، وعلى المدى الطويل، قد تجبر الصناعات بإمداد سلاسل توريد بديلة يمكنها تجاوز الصراع الاقتصادي والمالي المحتمل الذي يتصاعد بين روسيا والغرب.
ويقول جان فرنسوا لامبرت المصرفي السابق ومستشار السلع الذي يقدم المشورة للمؤسسات المالية والشركات التجارية، أنه من المؤكد أن العالم أكثر قلقاً بشأن مشكلة الجغرافيا السياسية مما كان عليه قبل 10-15 عاماً.
وهناك احتمال استخدام الموارد الطبيعية كسلاح كرد في حال استخدام روسيا لتصدير الغاز لأوروبا، وتمثل روسيا حوالي 40% من استهلاك الغاز في الاتحاد الأوروبي.
وفي الربع الأخير من العام الماضي، تراجعت الصادرات الروسية إلى شمال غرب أوروبا بنسبة تتراوح بين 20 و 25% وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، بعد أن تبنت شركة الغاز الروسية المدعومة من الدولة غازبروم استراتيجية للوفاء فقط بالعقود طويلة الأجل.
ويرى المحللون أن فرض عقوبات غير مسبوقة على البنك المركزي الروسي والتي تسببت في انخفاض قيمة الروبل، قد يزيد من خطر أن تحجب روسيا إمدادات بعض السلع.
وفي حال حدوث ذلك فقد يكون لهيمنة روسيا الغاز ومعادن معينة تداعيات في سلاسل التوريد المتعددة، فعندما تم إدراج شركة الألمنيوم روسال في القائمة السوداء من قبل المؤسسات المالية في عام 2018 بسبب العقوبات الأمريكية، ارتفعت الأسعار بمقدار الثلث ما تسبب في فوضى بصناعة السيارات.
وتعد روسيا أيضاً منتجاً رئيسياً للبلاديوم الذي تستخدمه شركات صناعة السيارات لإزالة الانبعاثات السامة من أبخرة العادم، وكذلك البلاتين والنحاس والنيكل التي يتم استخدامها في البطاريات التي تشغل السيارات الكهربائية.
وتعد روسيا وأوكرانيا الموردين المهيمنين على غاز النيون، ويتم الحصول عليه من قبل العديد من الشركات الأوكرانية المتخصصة، وعندما اندلعت أزمة شرق أوكرانيا في عام 2014، قفز سعر النيون بنسبة 600%.
وقالت ناتاشا كانيفا المحللة في جيه بي مورجان، إن لروسيا تأثيراً بعيد المدى عبر أسواق السلع العالمية، وإن الصراع له آثار كبيره ولن يكون أقلها ارتفاع الأسعار فقط، بل من المتوقع أن يشمل التأثير على الحبوب والغذاء.
وحتى قبل اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، تسببت التوترات الجيوسياسية المتزايدة برفع أسعار الأسمدة الرئيسية العام الماضي، بعد أن أعلن الاتحاد الأوروبي عقوبات ضد بيلاروسيا التي تعد المنتج الرئيسي للبوتاس، وفرضت كل من الصين وروسيا أيضاً، وهما مصدران كبيران للأسمدة قيوداً على الصادرات لحماية الإمدادات المحلية.
ويتوقع المحللون استمرار ارتفاع أسعار الفوسفات حتى ترفع الصين حظر التصدير في منتصف العام.