يهدد ارتفاع أسعار النفط نحو 100 دولار أمريكي للبرميل للمرة الأولى منذ عام 2014 بتوجيه ضربة مزدوجة للاقتصاد العالمي من خلال إضعاف آفاق النمو وزيادة التضخم.
وتعد تلك المستويات التي وصل إليها النفط مزيجاً مثيراً للقلق بالنسبة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنوك المركزية الأخرى في سعيها لاحتواء أقوى ضغوط الأسعار منذ عقود دون عرقلة التعافي من الوباء، حسبما أورد تقرير أعدته وكالة بلومبيرغ الإخبارية.
ويجتمع رؤساء مالية مجموعة العشرين تقريباً هذا الأسبوع للمرة الأولى هذا العام، وبعد التضخم من بين أهم المواضيع التي سيقومون بمناقشتها.
وعلى الرغم من أن مصدري الطاقة سيستفيدون من الطفرة وتأثير النفط على النمو الاقتصادي لديهم لن يكون كما كان من قبل إلّا أن هناك الكثير من دول العالم سيتضرر حيث تجد الشركات والمستهلكون فواتيرهم ترتفع وتقلص قوة الإنفاق بسبب الغذاء والنقل والتدفئة الأكثر كلفة.
مع إثبات أن ضغوط الأسعار أكثر عناداً مما كان متوقعاً في وقت سابق، فإن محافظي البنوك المركزية يمنحون الأولوية الآن لمحاربة التضخم على دعم الطلب.. وارتفعت أسعار المستهلكين الأمريكية المفاجئة إلى أعلى مستوياتها في 4 عقود صدمات مما زاد من الرهانات على أن الاحتياطي الفيدرالي سيرفع أسعار الفائدة 7 مرات هذا العام، بوتيرة أسرع مما كان متوقعاً في وقت سابق.
برر أندرو بايلي محافظ بنك إنجلترا هذا الشهر جزئياً قرار رفع أسعار الفائدة البريطانية بالإشارة إلى «ضغط من أسعار الطاقة». وقالت كريستين لاغارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي مؤخراً إن المسؤولين «سيبحثون بعناية» كيف ستؤثر أسعار الطاقة على الاقتصاد، حيث يشيرون إلى تحول نحو التضييق.. كما أشار بنك الاحتياطي الهندي يوم الخميس الماضي إلى أن أسعار النفط تمثل خطراً.
ومن المؤكد أن الاقتصاد العالمي لم يعد مستهلكاً للنفط كما كان خلال العقود السابقة، وخاصة السبعينيات، وسط توفير عوازل الحقبة الوبائية الأخرى مدخرات الأسر المعيشية المتضخمة والأجور المرتفعة وسط سوق العمل الضيق.
في الولايات المتحدة، ظهور صناعة النفط الصخري يعني أن اقتصادها أقل عرضة لصدمات الوقود.. بينما يدفع المستهلكون أكثر مقابل البنزين، ويكسب المنتجون المحليون المزيد.
وفي المقابل، سيكون لدى منتجي النفط الآخرين سبب للاحتفال أيضاً.. فميزانية روسيا، على سبيل المثال، يمكن أن تجني أكثر من 65 مليار دولار أمريكي (87.5 مليار دولار أمريكي) من العائدات الإضافية هذا العام، مما يساعد على حماية الكرملين من العقوبات المحتملة على أوكرانيا.. وسيستفيد منتجو الأسواق الناشئة الآخرون، وكذلك كندا واقتصادات الشرق الأوسط.
كما تمتعت الصين، أكبر مستورد ومصدر للنفط في العالم، حتى الآن بتضخم معتدل.. لكن اقتصادها لا يزال ضعيفاً حيث يتعامل المنتجون بالفعل مع ارتفاع تكاليف المدخلات والمخاوف بشأن نقص الطاقة.
لكن بالنسبة لمعظم المستهلكين ومحافظي البنوك المركزية، هناك الكثير من التساؤلات الملحة حول مدى السرعة وإلى أي مدى تذهب الطاقة، لا سيما إذا فقدت الاقتصادات الزخم على مستوى العالم.
ووفقاً لسيناريوهات بلومبرج إيكونوميكس، فإن ارتفاع سعر النفط الخام إلى 100 دولار أمريكي بنهاية هذا الشهر من نحو 70 دولاراً أمريكياً في نهاية عام 2021 من شأنه أن يرفع التضخم بنحو نصف نقطة مئوية في الولايات المتحدة وأوروبا في النصف الثاني من العام الجاري.
وعلى نطاق أوسع، تحذر مؤسسة جيه بي مورجان تشيس JPMorgan Chase & Co من أن الارتفاع إلى 150 دولاراً أمريكياً للبرميل سيوقف تقريباً نمو الاقتصاد العالمي ويدفع التضخم إلى نحو 7%، وهو مستوى أكثر من 3 أضعاف المستهدف من قبل معظم صانعي السياسة النقدية.
وقال «بيتر هوبر» المسؤول في مجلس الاحتياطي الفيدرالي، ورئيس الأبحاث الاقتصادية العالمية لدى «دويتشه بنك إيه جي»، إن الصدمة النفطية تغذي أزمة التضخم واسعة النطاق، لذلك هناك فرصة لحدوث تباطؤ كبير في النمو العالمي.
وأسعار النفط حالياً أعلى بنحو 50 % مما كانت عليه قبل عام، وهو جزء من موجة صعود أوسع في أسعار السلع الأساسية التي اكتسحت الغاز الطبيعي أيضاً. ومن بين الدوافع: عودة الطلب العالمي بعد الإغلاق، والتوترات الجيوسياسية التي أشعلتها روسيا العملاقة للنفط وتوتر سلاسل التوريد.
وعلى الرغم من ذلك، كان الارتفاع خارقاً.. قبل عامين فقط، انخفضت أسعار النفط لفترة وجيزة إلى ما دون الصفر.
ووفقاً لبيانات شركة الخدمات الاستشارية «جافيكال ريسيرش» Gavekal Research، فإن سعر سلة الوقود الأحفوري (النفط والغاز الطبيعي والفحم) والتي توفر 80% من الطاقة للاقتصاد العالمي أصبح أعلى بأكثر من 50% عن مستويات الفترة نفسها قبل عام.
وتقدر مجموعة غولدمان ساكس، التي تتوقع أن يصل سعر النفط إلى 100 دولار أمريكي في الربع الثالث، أن زيادة بنسبة 50% سترفع التضخم الرئيسي بمتوسط 60 نقطة أساس، مع تضرر الاقتصادات الناشئة أكثر من غيرها.
وكتب الاقتصاديان في HSBC جانيت هنري وجيمس بوميروي في تقرير صدر خلال شهر فبراير 2022: «مع ارتفاع التضخم حالياً إلى أعلى مستوياته منذ عدة عقود وعدم اليقين المحيط بتوقعات التضخم غير المسبوقة بالفعل، فإن آخر شيء يحتاج إليه الاقتصاد العالمي المتعافي هو ارتفاع آخر في أسعار الطاقة».
ويقدر مارك زاندي، كبير الاقتصاديين في Moody's Analytics، أن كل زيادة قدرها 10 دولارات أمريكية لكل برميل تخفض 0.1 نقطة مئوية من النمو الاقتصادي في العام التالي. يقارن ذلك بضربة 0.3 إلى 0.4 نقطة قبل ثورة التكسير.
وقالت بريانكا كيشور من جامعة أكسفورد إيكونوميكس: «يمكن أن يؤدي الارتفاع السريع المستمر إلى مخاطر حدوث ظروف شبيهة بالركود في بعض البلدان، خاصة إذا كانت السياسة المالية متشددة بشكل ملحوظ».. قالت: «تباطؤ نقطة النمو العالمي سيكون القشة التي قصمت ظهر البعير».