الخميس - 21 نوفمبر 2024
الخميس - 21 نوفمبر 2024

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة

يدفع العالم الآن ثمن الركود الذي دام لفترة قصيرة عام 2020 عند تفشي فيروس كورونا، متسبباً بجائحة عالمياً أدت إلى حالة من الإغلاقات وتعطل سلاسل التوريد حول العالم، وذلك حسب بلومبيرغ، وقالت الوكالة إن الانكماش الاقتصادي الناتج عن جائحة كورونا، اتسم ببعض الخصائص المختلفة، فعلى سبيل المثال كان انكماشاً قصيراً وسريعاً جداً، لقد استمر لشهرين فقط، حيث لم يدم لفترة طويلة كما جرت العادة، فقد كان شكل المؤشر على الرسم البياني يشبه الحرف V، ما يعني انحداراً سريعاً جداً ومن ثم صعوداً بسرعة هائلة إلى نفس المستوى السابق، وربما يعود السبب وراء ذلك إلى سرعة استيعاب حكومات العالم غير العادية للصدمة التي عاشها العالم. هبوط وجيز وحاد ولو قارنا طريقة حدوث الركود في عام 2020 والأزمة المالية العالمية التي ضربت الاقتصاد، سنجد أوجه تشابه، كالتسبب في فرض كلف تدوم لفترة طويلة على الاقتصاد، حتى أثناء التعافي، ولعل أوضح مثال على هذا ما رأيناه في القدرة الاستيعابية للتكرير، ومن الأمور الأخرى التي تميز بها هذا الانكماش هو أننا رأينا بالفعل هبوطاً وجيزاً وحاداً في الطلب على النفط للاستهلاك النهائي، وعادة ما تشهد حالات الركود جموداً وليس انكماشاً كلياً، لكن بسبب الإغلاقات وتوقف المتاجر عن التشغيل وكذلك العمل عن بعد من المنزل واستجابة الصحة العامة بشكل عام، رأينا فعلاً حالة من النقص، لقد كانت النتيجة قيام شركات النفط بتسريع إغلاق مصافي التكرير القائمة، أو تراجعت عن الاستثمارات المخطط لها لزيادة القدرة الاستيعابية الجديدة. وتمثلت النتيجة في أن الهوامش لمصافي التكرير قد ارتفعت إلى مستويات قياسية تاريخياً، ما رفع السعر النهائي لسلع المستهلك، وكان لانهيار عام 2020 أثر أيضاً على استخراج النفط الفعلي والسعر العاجل للنفط، لم يكن الأمر متعلقاً بالنفط فقط، فقد انكمشت صناعات أخرى أيضاً استجابة لانكماش عام 2020. كلفة طويلة الأمد وأوقفت شركات صناعة السيارات إنتاجها وألغت الطلبيات على قطع الغيار، وقام مربو المواشي باسترجاع مخزونهم، وأخفقت شركات الطيران في الاحتفاظ بالطيارين أو استبدال المتقاعدين منهم، ولو لم يحدث هذا كله، لكان الاقتصاد العالمي في حال أفضل بكثير اليوم، وبدت الكثير من هذه الإجراءات في ذلك الوقت منطقية، ولقنت الأزمة المالية العالمية الشركات درساً مفاده أن حالات الركود يقابلها هبوط طويل الأمد على الطلب، ولم يسمح صانعو السياسة هذه المرة بحدوث ذلك، لكن الضرر قد وقع فعلاً. ومع تصاعد المخاوف من ركود آخر وشيك يلوح في الأفق، ومن المهم تذكر أن مثل تلك الفترات ليست مؤلمة في أوانها فقط، بل تفرض كلفة تدوم لوقت طويل، فكما رأينا، حتى الركود الذي يستمر لفترة وجيرة جداً فقط مثل الركود المصاحب لجائحة كورونا في عام 2020 يمكن أن يحدث قدراً كبيراً من الضرر المتعلق بالإمداد.

د. خالد رمضان

هل أخطأ جيروم باول؟

لا يتحرك التضخم في الولايات المتحدة بالطريقة التي تعودها الأمريكيون في وقت الجائحة، والتي كان التركيز فيها بالكامل على درء خطر الانكماش، فقد كان الساسة وقتها قلقين للغاية من اندلاع شرارة كارثة اقتصادية طويلة الأمد بسبب الإغلاقات، والحقيقة أن التضخم لم يكن في الحسبان إطلاقاً، لأنه كان نائماً طوال العقد الماضي، لدرجة أن البعض ظنه في غيبوبة، إن لم يكن ميتاً أصلاً، فالأسعار كانت منخفضة بسبب كفاءة التجارة العالمية، وتوازن العرض والطلب، والابتكار التكنولوجي، وتوقعات المستهلكين بالاستقرار. واسترشاداً بالسوابق التاريخية، اعتمد الاحتياطي الفيدرالي، أكبر بنك مركزي في العالم، ذات السيناريو المطبق خلال الأزمة المالية العالمية عام 2008، عندما تبنى برامج ضخمة لشراء السندات للحفاظ على الأسواق المالية، وتسهيل الإقراض، فقد انعقد الإجماع المصرفي على أن السخاء هو الحل، إلا أن جيروم باول رئيس الاحتياطي الفيدرالي ارتكب عدة أخطاء مؤثرة، من بينها أنه لم يقدر أزمة سلاسل التوريد بالشكل الكافي، وتأخر في رفع أسعار الفائدة. استرشاداً بالسوابق التاريخية، اعتمد الاحتياطي الفيدرالي، أكبر بنك مركزي في العالم، ذات السيناريو المطبق خلال الأزمة المالية العالمية عام 2008 والواقع، أن الفيدرالي حقق نتائج مبهرة مثل إنعاش سوق العمل وحماية الوظائف، وتجنب الركود والإفلاس، فلو لم تنفق الحكومة الأمريكية التريليونات لكانت حياة ملايين الأسر اليوم كارثية، ومع هذا، فإن جيروم باول لا يمكنه الادعاء بأن أحداً اقترح عليه ترك الناس وشأنهم للمعاناة، ولكنه، اتخذ بعض القرارات الخاطئة لأنه كان يعتقد أن التضخم تحت السيطرة، ثم عندما بدأ جنون الأسعار، عاد ليؤكد أنه حالة مؤقتة، ونعتقد أن البروفيسور باول الملقب بصديق الأسواق بحاجة إلى إجراء مراجعات نقدية لمعرفة كيفية استفحال التضخم حتى يمكن تقدير التفاعلات بين الأزمات والسياسة النقدية، والتأكد من صحة المسار، بينما يداهم الاقتصاد الأمريكي الركود الضحل في الربع القادم. باستطاعة باول الاعتراف، على سبيل المثال، بأنه المسؤول الأول عن ضخ سيولة خرافية خلال أشهر الانهيار الاقتصادي، عندما ملأت الأموال جيوب الأمريكيين وفاضت، وإذا كان هناك أسباب وجيهة للتحرك بسرعة لإنقاذ الأسر والشركات، فإنه كان يتعين وجود معايير وسجلات دقيقة لمن يتأذى ومن لا يتأذى اقتصادياً من الوباء، بحيث يستفيد من الدعم الحكومي من يستحقه فقط، ما يجعلنا نرجح أن بعض الإجراءات كانت بهدف سياسي انتخابي وليس بدافع اقتصادي بحت، كما يمكن لسيد وول ستريت الإقرار بأن كل هذا الكرم الفيدرالي راكم بشكل مفاجئ المدخرات الشخصية، حتى إن الأسر الأمريكية اكتنزت تريليوني دولار خلال الوباء، الأمر الذي يصعب من مهمة البنك المركزي في السيطرة على التضخم.

‎⁨أحمد الخطيب⁩

العاصفة القادمة في العملات المشفرة

تتعرض العملات المشفرة مؤخراً لضغوط قد تكون هي الأكبر منذ نشأتها، ولا تقتصر هذه الضغوطات على التراجع الكبير في أسعار العملات وقيمتها، بل تمتد إلى قدرة الكثير من الشركات العاملة في المجال على الاستمرار في العمل لفترة طويلة. فقد بدأت تظهر بعض المشاكل في عدد من الشركات الكبرى، وإن كان الخطاب الرسمي لكل تلك الشركات يشدد على أن عمليات الاستغناء عن الموظفين أو وقف سحوبات العملاء تتعلق فقط بأسباب إعادة الهيكلة وتنظيم العمل، لكن إذا نظرنا للتاريخ في حالات مشابهة، فهذه بداية سلسلة من التعثرات والإفلاسات في قطاع كبر بسرعة جنونية وصرف المليارات من الدولارات على التوسع والانتشار. إن إفلاس أي من الشركات الكبرى -لو حصل- من شأنه أن يثير عاصفة عنيفة في القطاع ستغير من شكله وتعيده إلى الواقع المنطقي لأسواق المال، لكن الخسائر ستكون كبيرة شهد النصف الثاني من عام 2021 أكبر عمليات صرف وتوظيف في قطاع العملات المشفرة بشكل غير مسبوق، حتى في قطاعات أخرى سبق أن حققت نمواً سريعاً، فعلى سبيل المثال لا الحصر، اشترت شركة crypto.com حقوق تسمية ملعب لوس أنجيليس ليكرز بقيمة 700 مليون دولار، بينما قامت شركة Coin Base بشراء إعلانات خلال السوبر بول فاقت 14 مليون دولار لدقائق قليلة. أما في كرة القدم الأوروبية، فقد تعاقد نادي أتلتيكو مدريد الإسباني مع شركة WhaleFin لبيع إعلان صدر القميص بمبلغ 200 مليون يورو لخمس سنوات، وهو مبلغ يساوي تقريباً ثلاثة أضعاف عقد الشركة الراعية السابقة. وأيضاً كان هناك الكثير من عقود الرعاية والتسويق في رياضات وأنشطة مختلفة بمبالغ كبيرة جداً. إضافة إلى ذلك، قام عدد من الشركات المعروفة عالمياً وإقليمياً بإعلان تسريح أعداد من الموظفين بعد أن كانت نفس الشركات توظف بشكل قوي منذ أشهر قليلة. لكن القلق الأكبر جاء من شركة Celsius الناشطة في مجال إقراض العملات المشفرة، حيث أوقفت سحوبات العملاء، رغم أنها أكدت أن أموال وأصول الزبائن في أمان ولا خطر عليها. لا توحي هذه التحركات بالطمأنينة، وخصوصاً مع غياب الرقابة والتشريعات في هذا المجال، فلا يوجد جهات مستقلة تؤكد ملاءة الشركات أو محافظتها على أصول زبائنها بشكل منفصل عن عمليات الشركة. وقد يواجه العملاء مشاكل قانونية معقدة في حال تعرضت أي من تلك المنصات للإفلاس، لأن شركات التصفية والمحاكم لم يسبق أن تعاملت مع حالات مماثلة، وبالتالي قد تأخذ عمليات التصفية سنوات طويلة.

خالد عمر بن ققه

الأزمة الجزائرية ـ الإسبانية.. والرّسَالة المُوريتانية

بمصادقة مجلس الوزراء الموريتاني، الأربعاء الماضي (15 يونيو الجاري)، على معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون مع إسبانيا، والتي تم الاتفاق بشأنها في يوليو 2008، تعلن نواكشوط عن سيادتها الكاملة في اتخاذ قراراتها الخاصة بالعلاقة مع الدول خارج الفضاء المغاربي، بغض النظر عن موقف الجارتين الجزائر والمغرب. لكن هذا الموقف الموريتاني السيادي، والذي ظاهره الاقتصاد، هو سياسي بالأساس، صحيح أن نواكشوط صاحبة حق في اتخاذه، ولا تنازعها أي دولة في ذلك، لكن إذا نظر إلى الأمر من زاوية الاصطفاف، الذي لا تريده الجزائر في الوقت الراهن، فإن المنافع الاقتصادية لموريتانيا في علاقتها مع الجزائر أهم وأكبر من إسبانيا. إن الجزائر الواثقة من صواب موقفها وصحة ما اتخذته من قرارات سياسية سيادية في هذا الشأن، في غنى عن استصدار مواقف مؤيدة لها بعض المراقبين يرون أن هناك رسالة موريتانية، هي جزء من رسائل دول الاتحاد المغاربي الأخرى، ظاهرها: سيادة كل دولة مغاربية ـ كما هي حال كل الدول العربية ـ وحقها في تحقيق مصالحها الوطنية، حتى لو جاءت متناقضة أو معارضة لدول الجوار، وباطنها: الحيلولة دون أن تكون الجزائر قائدة للمنطقة، سواء أكان ذلك وهماً أم حقيقة. مصادقة موريتانيا على معاهدة الصداقة مع إسبانيا، وإدخالها حيّز التنفيذ، ما كان لها أن تحدث النقاش الدائر اليوم لولا أنها جاءت بعد إقدام الجزائر على تعليق معاهدة مماثلة مع مدريد، كانت قد أبرمتها منذ عقدين من الزمن. لا شك أنه ـ على المستوى السيادي ـ مثلما للجزائر الحق في تعليق تلك المعاهدة، لموريتانيا أيضاً الحق في إبرامها، دون أخذها في الاعتبار رد فعل الجزائر، بل إن هذه الأخيرة وضحت من خلال بيان وزارة خارجيتها رداً على أخبار أشيعت حول طلبها اجتماعاً للجامعة العربية حول أزمتها مع إسبانيا، جاء فيه: «.. إن الجزائر الواثقة من صواب موقفها وصحة ما اتخذته من قرارات سياسية سيادية في هذا الشأن، في غنى عن استصدار مواقف مؤيدة لها سواء من دول شقيقة أو صديقة أو من منظمات دولية». وبعيداً عن زمنية الحدث الراهن المشترك بين الدول الثلاث ـ إسبانيا والجزائر وموريتانيا ـ وتطوراته المتلاحقة، فإن إسبانيا ظلت، شريكاً سياسياً واقتصادياً مهماً لموريتانيا، بداية من ثمانينات القرن الماضي وحتى الآن، حيث تم توقيع العديد من اتفاقيات التعاون في مجالات متعددة. كل هذا يجعل من الرسالة الموريتانية الموجهة للجزائر خاصة، والدول المغاربية الأخرى عامة، مؤسسة على وقائع وليست نتاج رد فعل يميل للتقرب من إسبانيا، أو ضمن اصطفاف جديد لدول المنطقة، ورغم هذا فإن صوابها من عدمه يتعلق بالجهة المرسلة، وبالجهات المستقبلة، وخاصة الجزائر.

حسين القمزي

هل سيصبح اليورو مساوياً للدولار؟

يقترب اليورو من التساوي مع الدولار الأمريكي لأول مرة منذ 20 عاماً، وهذا يطرح سؤالاً انقسم حوله الاقتصاديون واستراتيجيو العملات، هل سيصبح اليورو مساوياً للدولار الأمريكي؟ لم يحدث تاريخياً أن انخفضت العملة الأوروبية- التي تشترك فيها 19 دولة من أعضاء الاتحاد الأوروبي البالغ عددهم 28 دولة- بأقل من سعر الصرف مع الدولار منذ إنشائها سنة 1999. توقع بنك ويلز فارجو أن يصل اليورو إلى سعر الدولار في غضون شهر، وقبل شهر تقريباً قال مُحللون من بنك إتش.إس.بي.سي -أحد أكبر البنوك- إنهم يتوقعون أن تكون قيمة اليورو الواحد مساويةً دولاراً واحداً بحلول نهاية هذا العام. أدى تراجع اليورو بنسبة 8% تقريباً في منتصف مايو هذا العام مقابل الدولار إلى بث الحياة في ذلك السؤال القديم وهل سيحدث ذلك لأول مرة في التاريخ في عامنا هذا؟ على عكس اليورو تعززت قوة الدولار الذي يعد من الملاذات الآمنة بسبب المخاوف بشأن الحرب الروسية الأوكرانية توالت المحن الاقتصادية على أوروبا، فلم تكد تخرج من إغلاقات الوباء حتى دخلت في مشكلة جيوسياسية على حدودها الشرقية أيقظت كوابيس الحرب العالمية، وأدخلتها في أزمة طاقة، أرسل ذلك اليورو هبوطاً وجعله يحوم حول سعر $1.05 الخميس الماضي، ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا خسر اليورو أكثر من 6% مقابل الدولار. وعلى عكس اليورو تعززت قوة الدولار الذي يعد من الملاذات الآمنة بسبب المخاوف بشأن الحرب الروسية الأوكرانية، ما زاد من تقارب قيمة العملتين كذلك التباعد في السياسات النقدية بين البنك المركزي الأوروبي ومجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، فالأخير زاد من معدلات الاقتراض القياسية مرتين حتى الآن، وعادة ما تدعم أسعار الفائدة المرتفعة الدولار من خلال جعل الأصول الأمريكية أكثر جاذبية للمستثمرين الباحثين عن عوائد، بينما البنك المركزي الأوروبي ما زال متأخراً في تشديد سياساته النقدية، كل هذه العوامل والأحداث تجعل اليورو والدولار يندفعان بشدة إلى نقطة التقاء. مع أن هذا الأمر محتمل، إلا أنه ليس كل الاقتصاديين الذين يراقبون السوق مقتنعين بحدوث هذا السيناريو. لا يزال يتعين على اليورو أن ينخفض إلى ما دون المستوى الفني - $ 1.034 وهو الذي وصل إليه اليورو سنة 2017، حتى نقترب من هذه الاحتمالية. اليورو لم يتغير هذا الأسبوع كثيراً حيث ثبت عند 1.04 يوم الثلاثاء بعد انخفاض استمر 3 أيام. يرى بعضهم أن فكرة وصول اليورو إلى تساوٍ مع الدولار غير منطقية لأن ذلك يعني أن اليورو كان مقوماً بأقل من قيمته الحقيقية، وكلما تعمقنا في تلك الفكرة وجدنا أن فرص تكافؤ العملتين أقل إقناعاً.

علاء الدين حافظ

السعودية وأمريكا.. «زيارة الحقيقة»

على مدى الأسبوعين الماضيين، تواترت أنباء، عن رغبة الرئيس الأمريكي، جو بايدن في إجراء زيارة إلى السعودية، ولقاء خادم الحرمين وولي العهد، وأول من سرب هذه الأنباء صحيفة نيويورك تايمز نقلاً عن مصادر مطلعة من داخل البيت الأبيض. ثم بعد ذلك توالت الأنباء التي غلبت عليها صيغة «شبه رسمية». خلال تلك الفترة تضاربت مواعيد الزيارة ما بين الإعلان والتأجيل. ماذا يعني ذلك؟ يُفسر هذا الأمر بتوافر رغبة حثيثة داخل الإدارة الأمريكية بحتمية زيارة بايدن للسعودية، وما تناقلته الصحف الأمريكية، يندرج في إطار بالونات جس النبض، على أمل استقبال إشارات إيجابية من المملكة يمكن التعاطي معها، غير أن المملكة تعاملت مع الرسائل الأمريكية غير المباشرة بالتزام الصمت التام، وكأن الأمر لا علاقة له بالمملكة. وحسناً فعلت المملكة ذلك لأكثر من عامل، أولاً: التعاطي مع الرسائل غير المباشرة، ليس ضمن أولويات الدبلوماسية في المملكة، سيما وأن وزارة الخارجية السعودية لها إرث عريق من التقاليد الدبلوماسية. ثانياً: قد يرى البعض أنه كان يمكن التعاطي مع الرسالة بطريقة غير مباشرة، وهناك وسائل عديدة يمكن اتباعها في هذا الشأن، ومردود على ذلك بأن أمر الزيارة من عدمه لا يعني المملكة، وأنه مهما كانت أهمية القمة الأمريكية - السعودية للإقليم أو العالم فإن المملكة لن تستجدي عقدها. هناك رغبة حثيثة داخل الإدارة الأمريكية بحتمية زيارة بايدن للسعودية ثالثاً: المصالح الأمريكية وراء حرص إدارة بايدن على هذه الزيارة، التي يسعى من ورائها إلى تضييق فجوة وجهات النظر المتباينة حول عدد من الملفات الإقليمية والدولية، فضلاً عن محاولاته كبح الزيادات غير المسبوقة في أسعار الطاقة في الداخل الأمريكي تحت وطأة الحرب الروسية - الأوكرانية. رابعاً والأهم: بايدن (الضيف) والمملكة ( المُضيف) فكيف للضيف أن يحدد موعد زيارته للمُضيف، ألا يخالف ذلك الأعراف والتقاليد الدبلوماسية؟ جملة العوامل السابقة، وغيرها من الموضوعات الأخرى دفعت المملكة إلى التزام «الصمت الدبلوماسي»، قبل أن يبادر الديوان الملكي بإعلان موعد وبرنامج الزيارة، وهي الخطوة التي وضعت الأمور في نصابها السليم. لا يخفى على أحد أن العلاقات الأمريكية - الخليجية تواجه لحظة الحقيقة منذ فترة ليست بالقصيرة، نتيجة معاكسة إدارة بايدن تعامل إدارات سابقيه في عدد من الملفات المهمة في المنطقة، غير أن الحرب الأوكرانية دفعت الإدارة الأمريكية إلى تصويب بوصلتها مجدداً. على كلٍ.. أسابيع قليلة تفصلنا عن هذه الزيارة، ونمني أنفسنا بأن تكون فصلاً جديداً في العلاقات الأمريكية - العربية، والخليجية على وجه التحديد، حتى يتسنى للعالم مجابهة تحديات النظام العالمي الذي يولد من رحم الحرب الراهنة.

عبدالله المهيري

مزيفون بعمق!

اشتكى إيلون ماسك في تغريدة عبر تويتر من موقع يوتيوب لأنه سمح بالعديد من مقاطع الفيديو والبث المباشر الذي يتقمص شخصيته، لخداع الناس ببيع أشياء لم تصنعها شركة تسلا، أو المشاركة في مسابقة بإرسال عملات رقمية لحسابات مجرمين، وغيرها من الأشياء التي تثير الشكوك. الغريب في الأمر أن هذا يحدث منذ شهور، ومؤخراً فقط بدأت بعض المواقع بالانتباه له، موقع بي بي سي ذكر أن هذه القنوات تستخدم تقنية الزيف العميق (DeepFake) لتقمص شخصية إيلون ماسك، وكسبت في العام الماضي ما يقرب من 98 مليون دولار، وفي هذا العام 30 مليون دولار، وبسبب تصديق الناس لهذه القنوات خسر كثيرون استثماراتهم في العملات الرقمية. يوتيوب موقع ضخم، والناس يرفعون 500 ساعة من الفيديو كل دقيقة، لذلك الرقابة على محتواه ليست بالأمر السهل، ويوتيوب يعتمد كثيراً على برامج الذكاء الاصطناعي لمراقبة المحتوى، لكن هذه البرامج لا تستطيع أن تجد كل شيء، فالبث المباشر الذي يزيف شخصية إيلون ماسك لن يظهر على أنه محتوى يستحق الحجب، لذلك وجود مراقبين من بيننا «رقابة ذاتية» أمر ضروري، خاصة أن شركات التقنية لا توظف العديد منهم، وهؤلاء يعملون في واحدة من أصعب الوظائف لأنهم مجبرون على مشاهدة محتويات سيئة طوال اليوم. مع ذلك لا يمكن ليوتيوب التهرب من مسؤوليته، فهو ثاني أكبر شبكة اجتماعية بعد فيسبوك وله تأثير عالمي، ولديه سياسات صارمة تجاه استخدام لغة سيئة في مقاطع الفيديو تجعله يمنع صانعي المحتوى من التربح من محتواهم إن كان فيه شيء يحمل إساءة، كذلك لديه سياسة صارمة تجاه الحقوق الفكرية للموسيقى، وغيرها. يوتيوب موقع ضخم، والناس يرفعون 500 ساعة من الفيديو كل دقيقة، لذلك الرقابة على محتواه ليست بالأمر السهل اعتماد يوتيوب على برامج الرقابة يجعل من الصعب على الناس التبليغ عن المحتوى السيئ، لأنه يصل للبرامج أولاً، ويوتيوب يحاول أتمتة هذه العملية بقدر الإمكان، ما يجعله ساحة مناسبة لإساءة استخدام الموقع، لأن يوتيوب لا يتحرك لفعل شيء ما لم تحدث ضجة وضغط خارجي يدفعه للتعامل مع الموقف، وحتى الأدوات التي يوفرها لصناع المحتوى ولمستهلكيه غير فعالة أو كافية. لذلك، على الناس حماية أنفسهم، لأن شركات التقنية الكبرى لا تفعل ما يكفي، ومهما فعلت فلن تستطيع تفعيل الحماية بنسبة 100%، وما يهمنا أنه قبل أن ترسل أموالك أو بياناتك، أو أي معلومات تتعلق بخصوصيتك لأي جهة تأكد أنها ليست جهة مزيفة.

عبدالله النعيمي

العالم ينقلب

يقول صاحبي، وهو يشاهد صوراً لعارضات أزياء خليجيات في أحد المهرجانات العالمية: «العالم يتغير بسرعة، ولا أدري إلى أين سنصل!».. وأعقب على كلامه قائلاً: «العالم ينقلب رأساً على عقب، والسنوات المقبلة حبلى بالمفاجآت!». لا أخفيكم أن صاحبي قال عبارته الأخيرة على محمل التشاؤم، أما أنا فقلتها على محمل الإذعان للصيرورة الاجتماعية الحتمية التي أشار إليها ابن خلدون في مقدمته الشهيرة. نعم.. العالم ينقلب رأساً على عقب، ومفهوم الثوابت الذي لازمنا لسنوات طويلة، تحول إلى صلصال رخو، يمكن عجنه، وإعادة تشكيله كل يوم بطريقة مختلفة.. يحددها الفرد نفسه، ذكراً كان أو أنثى، بصرف النظر عن نظرة الآخرين إليه.. فسلطة المجتمع تضعف يوماً بعد يوم، وتتعاظم في مقابلها سلطة الفرد، والمجموعات الصغيرة التي تتشارك الأفكار والأخلاق ذاتها.. ولا أستبعد أبداً أن نجد أنفسنا بعد سنوات قليلة أمام أجيال جديدة تؤمن بقيم مختلفة، لا تتقاطع مع قيمنا الحالية إلا في نقاط محدودة للغاية، قد لا تكون كافية لتحقيق الحد الأدنى من التوافق الاجتماعي المنشود. الأمر الذي يقلقني ويزعجني فعلاً هو التآكل المستمر لمنظومة الأسرة العربية والمحاولات المستمرة لتقويض سلطة الآباء والأمهات يقول صاحبي: «من كان يتوقع أن يحدث هذا كله؟» وأجيب: «كل من قرأ في تاريخ الحضارات البشرية من المفترض أن يتوقع ذلك، لأن الثبات استثناء محدود.. أما التغير فهو القاعدة». من وجهة نظري.. ظهور عارضات خليجيات في مهرجانات عالمية بملابس لا تختلف عن ملابس عارضات أوروبا وأمريكا اللاتينية أمر ليس بغريب، ولا يستدعي التوقف عنده طويلاً، لأنه مرتبط بالحريات الفردية وطبيعة نشأة كل فتاة على حدة.. ولن أكون مبالغاً لو قلت إنه ليس بجديد أيضاً، ولو عدنا بذاكرتنا الجمعية إلى أرشيف القنوات التلفزيونية، لرأينا فنانات خليجيات بملابس مماثلة في مسرحيات الأبيض والأسود في حقبتي الستينات والسبعينات تحديداً. الأمر الذي يقلقني ويزعجني فعلاً، هو التآكل المستمر لمنظومة الأسرة العربية والمحاولات المستمرة لتقويض سلطة الآباء والأمهات، وتشجيع الأبناء على التمرد عليهم والخروج عن طاعتهم، وما يتبع ذلك من تغير في القيم الاجتماعية والأخلاق.. هذه المحاولات خطرة للغاية، وتخفي بين طياتها نوايا خبيثة، ولا أستبعد أن تكون مدعومة من جهات خارجية تضمر لنا العداء، ولو لم يتم التصدي لها بجدية كاملة، فإنها قد تؤدي بمرور الوقت إلى زعزعة استقرار المجتمعات العربية من الداخل، وهو ما يعني بشكلٍ أو بآخر، الانزلاق نحو منحدر خطر لا يعرف أحد نهايته.